كان الوقت باكرا، والطقس باردا، لم يكن هناك عدد كبير من الناس في الشارع، سوى بعض عمال وعاملات مصانع المدينة، وعامل نظافة من كثرة ما صادفته في طريقي، تعود ان يلقي التحية علي كل صباح.
كعادتي كل يوم صباحا، أخرج لممارسة رياضة المشي على الشاطئ، لكن ما ميز هذا اليوم عن باقي الأيام، مشهد رائع اذهلني، سماء كستها غيوم سوداء، انعكس لونها على ماء البحر ،فصار لونه يميل للون الرمادي، سكون المكان كسره هدير امواج البحر العاتية، نسمة خفيفة لرياح شمالية باردة، جلبت معها قطرات تنبا بيوم سيكون ممطرا.
لذا، كان علي الإسراع في العودة للمنزل، كما توقعت، بدأ المطر يسقط بغزارة،وما ارتديته من ملابس ليس مناسبا ليوم كهذا.
عند مدخل الشارع، القريب من محل سكناي، وعلى عتبة باب إحدى عمارات الحي، لفت انتباهي طفلا صغيرا نائما، يفترش الارض، ملفوفا بغطاء بلاستيكي استعمله المسكين، لحمايته من المطر.
اقتربت منه ،شعر بخطواتي، استيقظ مذعورا، حاول الهرب، أمسكت به ،بدأ يبكي ويصرخ، هدأت من روعه، وطلبت منه ان يرافقني للمنزل لأعطيه بعض الملابس، فقد تبلل بسبب المطر ، لكنه رفض، جمع كل اغراضه الثمينة ثم غادر المكان.
سألت بواب العمارة عنه فقال لي: لا تقلقي سيدتي ،فهو مجرد طفل من اطفال الشارع، استفزني جوابه .قلت له: هو واحد من ضحايا غصت بهم شوارع المدينة، اغلبيتهم اطفال قصر، استسلموا لليأس، يقضون الليل في قلق ورعب يفترشون الارض ويلتحفون السماء، الصعوبات التي يعانونها، ألقت سحابة قاتما على أنوار امالهم، يحتملون الذل والقهر الذي حكم عليهم به القضاء والقدر، فلا مفر ولا ملجأ لهم سوى الشارع، حفاة، يلبسون لباسا رثا، عند النظر اليهم، تدرك أنهم من كثرة إحساسهم بالجوع، والبرد ،والوحدة، والاهمال، والمرارة، صاروا كتماثيل، نحتتها قسوة الظروف والزمن.
هم ثمرة، علاقة عابرة ،او ارتباط بين رجل وامرأة، قررا معا بناء منزل لم يحسنا تصميمه، كان بناء اعمدته من ورق، عند اول مطرة انهدم وصار ركاما. بواب العمارة :لم ينطق بكلمة بل اكتفى بإخفاء وجهه عني ، متظاهرا بان أحد السكان يطلبه. انا متأكدة أنه بكى……. بالنسبة لي كان صباحي يوما ماطرا، بدأته بمشهد رائع وانهيته بمشهد مؤلم، قاتم، محى كل الروعة التي ابهرتني وانا أمشي على الشاطىء.
إلهام الإدريسي – طنجة
اترك تعليقا