منظر جميل جدا يخلب العقول ويستهوي المهتمين بمكامن الطبيعة وسحرها وجمالها، إنه منظر جزيرة الصويرة الذي يستوقف من غير شعور كل زائر لموكادور، وخاصة عند الأصيل للاستمتاع بغروب الشمس الذي هو مبعث الصفاء الروحي والتأمل والانشراح النفسي، ومما يبعث على الإعجاب تلك الحركات الغريبة التي تقوم بها الطيور عند مغرب كل يوم وهي تقترب من الجزيرة حيث تتسلق السماء كسحابة سوداء ثم تنحدر سريعة في اتجاه الأرض.
الجزيرة الكبرى تتراءى للناظرين من بعيد كحصن شامخ منيع جاثم على البحر، وكأنها تعانق السماء والأمواج من حولها تتراقص وتتهادى تم تتساكن في هدوء واطمئنان.
أرخبيل الصويرة كتلة من الصخور تبلغ مساحته 26,7 هكتار( 22,7 هكتارا للجزيرة الرئيسية و 4 هكتارات لباقي الجزر السبعة) وجزيرة يطلق عليها “جزيرة فرعون” على مساحة 400 متر مربع، يتشكل هذا الأرخبيل من الجزيرة المعروفة بجزيرة موكادورالمكونة من جزئين غير متكافئين حفرت حولهما حركات البحر مجموعة من الجزيرات الصغيرة، وهي أي جزيرة موكادور ذات ارتفاع 29 متر ومتكونة من تموجين رمليين، هذه التكوينات تعلوها تلال رملية صغيرة متبثة بفضل نباتات متأقلمة مع تواجد الملح في الهواء، تنعدم فيها الأشجار، ولا تبعد عن الشاطئ إلا ب900 متر وبحوالي 1200 مترعن مصب واد القصب، وهي الوحيدة على طول الساحلي الأطلسي المغربي، مصنفة موقعا ذوأهمية بيولوجية و إيكولوجية مند سنة 1980 وتراثا إنسانيا عالميا من طرف اليونسكو سنة 1981، ومحمية للصيد بقرار وزاري سنة 1962 وتم تعديله سنة 1979.
استقر بها الموريتانيون والرومان من القرن الأول إلى القرن الخامس الميلادي، كما استوطنها الفينيقيون مند القرن السابع قبل الميلاد بهدف الحصول على المواد الأولية الفاخرة كريش وبيض النعام والعاج والمريق لصنع الأرجوان و جلود الحيوانات، وفي القرن الأول قبل الميلاد وخصوصا في ظل حكم الملكين يوبا الثاني وابنه بطليموس، عرفت الجزيرة نشاطا مهما مرتبطا بإحداث معامل خاصة بصناعة اللون الأرجواني انطلاقا من صدفة محلية تحمل إسم “موريكس”، وإلى هذه الصناعة ترجع تسمية أرخبيل الصويرة بالجزر الأرجوانية المذكورة في النصوص القديمة.
تعتبر جزيرة موكادور، من أهم المواقع الفينيقية بغرب البحر الأبيض المتوسط، أثبتت الحفريات الأثرية التي أجريت بها وجود بقايا أركيولوجية تتمثل في أواني فخارية وأمفورات يرجع أقدمها إلى النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد، وقد دلت الأبحاث الأركيولوجية أن جزيرة موكادور عرفت فترة فراغ ما بين القرن الخامس والأول قبل الميلاد، إلا أن وجود بعض القطع الفخارية ترجع للقرن الرابع قبل الميلاد، يدل على وجود علاقات تجارية بين الجزيرة وباقي المدن الموريطانية بالمغرب القديم، كما دلت الحفريات الأثرية على استيطان الجزيرة خلال الفترة الرومانية إلى حدود القرن الخامس الميلادي.
ومما يشهد على ماضيها النشيط الآثار المتواجدة بها، وهي بعض البروج القائمة وبعض المساكن وسجن قديم على مساحة 1500 متر مربع يحمل إسم سجن موكادور يعود تاريخ بنائه إلى القرن 19 إبان حكم السلطان مولاي عبد العزيز، له منفذ واحد ويتوفر على خمسة أبواب باحجام مختلفة،كما تتوفر الجزيرة على مسجد تتراءى مئذنته للناظرين انطلاقا من شاطئ الصويرة، حجمه صغير بني سنة 1898 وكان ينطلق منه الآذان إلى الصلاة عدة مرات من الصباح إلى المساء.
وبخصوص الغطاء النباتي الغني والمتنوع، فإن الجزيرة تقدم أصنافا ذات قيمة وراثية هامة ك”ليمونيوم نيكراناتوم” و”سالسوفا فيرتيسيلاتا” و”فرانكينيا لايفيس فيلوتينا”، وهي أصناف نباتية تتواجد فقط بالمغرب فضلا عن أصناف جزر الكناري وموريتانيا، وهي خالية من أي نوع من الأشجار. وقد ساهم إغلاق الجزيرة في وجه العموم في تثمين التنوع الطبيعي والبيولوجي للجزيرة، ويمكن زيارتها بعد الحصول على تراخيص من السلطات المختصة وفق شروط معينة إلا أنه في الغالب ترفض طلبات الزيارة لأسباب وجيهة.
تعتبر جزيرة الصويرة أوجزيرة موكادور كما يحلو للبعض تسميتها، ملجأ لبعض أنواع الطيور النادرة من قبيل النورس وطائر الغاق (طائر بحري) والسنونو والحمام الأزرق والطائر المغرد والغراب الكبير والخطاف الشاحب، إضافة لصنف واحد من الثدييات هو الأرنب الذي تم إدخاله إلى الجزيرة سنة 1941 من طرف النادي المحلي للقنص “سان إيبير”.
ويستوطن الجزيرة كذلك، صقر”الاليونور” المعروف باسمه العلمي “فالكو إليونورا”، وهو ذو الحجم المتوسط (بطول 35 إلى 42 سنتمتر وطول جناحيه من 85 إلى 105 سنتمتر)، يعد احد أنواع الطيور المحمية على المستوى العالمي والمدرج ضمن صنف “نادر في أوروبا”، والجزيرة هي احد المواقع الثلاثة المهمة لتوالد هذا الصنف، كما تعد أهم مستوطنة بالمغرب بأكثر من 1500 زوج، يستقر ويتوالد هذا الصقر بالجزيرة أواخر الصيف حيث يبدأ في نصب أعشاشه ابتداء من شهر يوليوز مع مجئ الطيور المهاجرة الصغيرة التي تعتبر أهم مورد لطعامه ومصدرا للغذاء بالنسبة لصغاره، ولاتواجه أسرابه أية مشاكل على مستوى أرخبيل الصويرة، حيث ينعدم افتراس الأعشاش، ويسود الهدوء خلال فترة التزاوج من يوليوز إلى أكتوبر.
يعرف صقر الاليونور برحلاته الطويلة التي يقطع خلالها مسافة تزيد عن تسعة آلاف كيلومتر من مواطن تزاوجه التي تشمل منطقة المتوسط والساحل الأطلسي للمغرب وجزر الكناري، نحو المناطق الشتوية، لاسيما في مدغشقر، مجتازا جميع أنحاء القارة الإفريقية بما في ذلك الصحراء.
في مؤلفه “جولات في مغرب أمس: 1872″، يقول أحمد بن خلدون عن جزيرة الصويرة إن “جزيرة الصويرة كانت تعتبر مستراحا للإنجليز المقيمين في المدينة، وتقوم الجزيرة بمهمة المحجر الصحي من حين لآخر، وقد أرسلت إليها البواخر التي أقلت الحجاج العائدين من مكة عن طريق الإسكندرية، بسبب انتشار وباء الكوليرا، وكان النهار في الجزيرة ساحرا والليل هادئا، وكان نسيم البحر يلطف من حرارة الشمس والسماء صافية الزرقة.
وتعتبر الجزيرة مأوى لعدد لا حصر له من الحمام الوحشي، وكان الكثير منه يحوم حول الجزيرة، وتصل هذه الطيور عند الغروب قادمة من الأراضي الداخلية في كميات ضخمة، فإذا أطلق عيار ناري بعد استقرارها ضجت السماء بحفيف أجنحتها في الحال لتستقر من جديد ولتطير مسافات بعيدة في مناطق البلاد الداخلية بحثا عن القوت..
وما يبعث على العجب حقا أن هذه الطيور التي تتبعثر خلال النهار في مناطق شاسعة من المغرب، تعود لتلتئم في الغروب، مهما شط بها النوى وتبدد بها الطيران، وتؤوب مجتمعة إلى مأواها الليلي كما فعلت بالأمس، ويتكرر ذلك كل فجر وكل غروب. وتقيم بين صخور الجزيرة أيضا أسراب هائلة من طير الزرزور، والجزيرة مشهورة بطيور البازي، ذي الطعم اللذيذ، وإن كان الإنجليز يرفضون تناوله”.
يشار، أن مجموعة الأبحاث المغربية الألمانية المكونة من خبراء المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط والمعهد الألماني للبحث الأثري بمدريد، كانت قد نظمت معرضا أركيولوجيا بدار الصويري سنة 2007 تم خلاله تقديم عدد من المواد التي تم اكتشافها بجزيرة الصويرة، وتتكون من عينات نموذجية للقي والانفورات الفينيقية والأطباق والصحون والقناديل والقوارير الصغرى.
وكشفت الحفريات المغربية الألمانية عن نقيشة فينيقية مهمة ليس لها نظير إلى حد الآن، بحسب خبراء المجموعة، وهي الوحيدة التي تدل بشكل جلي على الانشغالات الدينية للفينيقيين الذي استقروا بجزيرة الصويرة، وفي سنة 2005 تم إبرام، لمدة خمس سنوات، اتفاقية تعاون في ميدان البحث الأثري بجزيرة الصويرة ونواحيها بين المعهد الوطني لعلوم الآثار والثرات بالرباط والمعهد الألماني للاركيولوجيا بمدريد، ويسهر على إنجاز مشروع الاتفاقية فريق من الاركيولوجيين والطبوغرافيين والمرممين والمصورين والرسامين وعلماء النبات والجيوفيزيائيين مغاربة وأجانب، فخلال سنة 2006 أنجز هذا الفريق مسحا طبوغرافيا للجزيرة شكل قاعدة أساسية لجميع الأعمال الأثرية المستقبلية بها، كما مكنته التحريات الجيوفيزيائية من استكشاف مناطق مختارة من الجزيرة، وخلال سنة 2007 تركزت أبحاث الفريق على الجزء الجنوبي منها، حيث أجريت في الخمسينات حفريات مهمة استرعت اهتماما عالميا و كانت بفضل “كوبيري” و”ديجاك” و”سانطاس” و”جودان”، ولازالت هذه الأبحاث متواصلة في أفق إعلان نتائجها مستقبلا.
مريم الحودي – خريجة برنامج الصحافيون الشباب لأجل إعلام ثقافي
بشراكة مع المركز الدولي للصحفيين ICFJ
اترك تعليقا