رواية “هواجس الضياع” للكاتب المغربي الحسين آيت بها، صدرت في طبعتها الأولى عن دار الدارويش للنشر سنة 2019، تقع في 100 صفحة، تضم إهداء وثمانية فصول وخاتمة.
هذه الرواية تنم على جهد جاد ومضن بذله الكاتب الحسين ويستحق على ذلك وافر الإشادة والثناء. تبدأ أحداث الرواية في المستشفى حيث يسترجع عبد العالي عافيته بعد تلقيه للعلاجات الصحية والعقلية. عبد العالي بطل الرواية، يعاني من مرض نفسي وانهيار عصبي ينخره، كما تنخر الدودة ورق التين، جراء أفكاره الناقمة على معتقدات الجماعة، وموت أخيه وأبيه من جهة، واستبداد أخيه الأكبر “عبد الرحمان” الذي إنفرد بالإرث من جهة أخرى.
عاش عبد العالي طفولة مأساوية، حيث ترعرع في كنف العزلة التي فرضت عليه قسرا هو وإخوته (الفاطمي، وسمية)، وما زاد تلك الفترة مأساوية وفات أخيه عبد الهادي غرقا في الواد. الأمر الذي جعله أسيرا لهواجس لا تنتهي.
بعدها تلقى صدمة أخرى بوفاة أبيه، تلك الذكريات المأساوية صارت تلازمه في كل حين، وقلما تبرح ذاكرته، فعذبته وقاده للجنون وعزلة الناس، بعد أن رفضته قريته بسبب أفكاره الفلسفية. ظل عبد العالي مرتبطا بالماضي لم ينس فترة طفولته وصدماتها، وفترة شبابه وأزماتها الفكرية والعاطفية.
بعد أن رفضت قريته لأفكاره وحقائقه، ظل عبد العالي منطويا على ذاته يمقت العلاقات الإجتماعية ويزدريها، نظرا لذلك النفاق الذي يطبعها، ووصف أهل قريته بأشنع الأوصاف “بالأغبياء والسذج” و”يأجوج ومأجوج”.
بقي وحيدا تمزقه الخيبة، حتى إنهار كليا وجعل المزبلة مستقرا، وتغير شكله وملامحه، ونعثه أهل البلد ب”الهداوي”.
ما بني على باطل فهو باطل، هذا ما توصل إليه السارد عبد المجيد، الصديق الحميم للبطل، حيث سعى عبد المجيد إلى الكشف عن أسباب جنون صديقه، وتوصل إلى ذلك بعدما أن وجد صندوقا يتضمن مخططات لأرض الورثة. فعلم أن الكل ساهم بشكل أو بآخر في ما وصل إليه صديقه عبد العالي.
مات عبد العالي بشكل مفاجئ، ومات معه الحقيقة.
الطفولة، الشباب، الذاكرة، المرض، الوحدة، الموت…هذه كلها خيوط عريضة شكلت رواية “هواجس الضياع”، قفز فيها الكاتب على أوتارها بخفة، وصور حيثياتها بلغة جميلة وراقية، رصينة وفصيحة، استطاع بها أن يدخل القارئ في قوقعة أحداث تبدو واقعية وتجري في تلك القرية الهامشية البعيدة وما تعرفه من تناقضات فكرية واجتماعية.
في هذه الرواية عالج الكاتب الحسين آيت بها مشكلة اجتماعية عويصة في مجتمعنا، وهي المرض النفسي والإنهيار العصبي، فالمجتمع لم يستطع التكيف والتعايش مع حالات المرض النفسي، الذي يعتبره الكثير وصمة عار في جبين أسرة المريض، هذه الأخيرة تتنصل عن واجباتها وتترك المريض عرضة للشارع وبدون إهتمام طبي وصحي.
وما أثار إهتمامي في الرواية هو البعد الفلسفي عبر استحضار مذاهب فلسفية ومواقف فلاسفة (العدمية والوجودية والعبثية)، ومقارنتها مع واقع مجتمعي، الذي لا يؤمن بالفكر الفسلفي ويعتبره خروجا عن المألوف، وقد تكلف المؤمن به الاغتراب عن القبيلة والقرية، التي تعتبره حالة شاذة تسعى لتغيير المعتقد والتقليد السائد في عقل الجمعي.
كمال العود -مدينة أولاد تايمة
اترك تعليقا