لا شيء يرهق الانسان أكثر من ذاكرته بل تقتل الإنسان، تجعله كومة من الجسد فارغ من إحساس و المشاعر، حينما تفقد أحدهما و تجد نفسك في نصف طريق لا تستطيع أن تستمر و لا أن تعود، فى تستحوذ ذاكرتك عليك فى تبدأ في تذكر الأشياء و الأماكن بطولها و عرضها؛ في شمسها و شتائها؛ بردها و صيفها.. كل تفاصيل كبيرة و صغيرة تطفوا على سطح ذاكرتك من أجل إيقاظ الحنين فيك، أتساءل كيف تشكل الأماكن إحساس و انطباع لدى الانسان في مشاعره ؟ كيف توقظ هذه الذاكرة اللعينة هذا الحنين الذي لم يمت بمرور سنين، حينما أمر بمكان أو أشم رائحة أو تخطف أذني صوت لأغنية كنا نستمع إليها.
لماذا على الانسان أن يعاني من هكذا شعور ؟ ألا يجدر بنا أن ننسى كما نتناسى ؟ هل يمكن أن نكون نحن وحيدين الذين نحمل هذا العبئ متمثل في الذاكرة ؟.
يموت الإنسان بموت انسان أخر كان يشكل له كل شيء و يموت أيضا الإنسان حينما يفقد انسان أخر كان هو خطوط عالمه، إننا نصنع عالمنا مع الارواح التي تشبهنا أو قد تشبهنا، فحينما تغادرنا يبقى ذلك العالم بصوره و قوانينه معنا، الارواح تغادر فهي كطيور تحلق بينما الأشياء بتفاصيلها تبقى و هذا ما يؤجج الذاكرة، فكل من لم يستطيع أن يرود ذاكرته يكون مصيره ضياع عقله.
قد ننسى في مرحلة ما، ثم يأتي من يدق باب الماضي فتستعد الذاكرة لفتح صفحات و صفحات و نظن نحن أننا قد اغلاقنا هذا الكتاب، ثم نعود من جديد، بطعم أخر من الشوق و الحنين، قد نمر بشارع لننسى فنعود من جديد، كل شيء يعود بمجرد رؤية، كل شيء يعود بمجرد كلمة، فكل شيء يعود بمجرد نظرة إلى عين أحدهم…
زكرياء الساسي كاتب مقالات وطالب باحث في الفلسفة بجامعة ابن طفيل.
مدينة سيدي يحي الغرب.
اترك تعليقا