انتهى مونديال قطر، ولكن لم تنته ذكراه. ولو قيل ما هي أهم أحداث سنة 2022 لما استطعت استثناء كأس العالم لهذه النسخة، التي استطاعت خطف الأنظار وجلب الجماهير من كل حدب وصوب، رغم كل المحاولات التي حاولت أن تئد الفكرة وهي مجرد بذرة، لكن التشبث والإيمان بها صنع أمرا بدا من قبل مستحيلا، وتمكنت قطر من خلق المفاجأة.
مونديال الاستثناء لم يمر إلا ببصمة مغربية أصيلة، لاسيما وأنه لا يتوانى المغاربة كلما سنحت لهم فرصة في إبراز الاستثناء الذي عُرفوا به، فمنذ المباراة الأولى للمنتخب المغربي في إقصائيات كأس العالم بقطر ظهرت بوادر فريق صعب المراس، أربك الخصوم وخلط الأوراق من جديد واضعا قوانينه. إلى أن أبهرنا بالوصول إلى نهائي الكأس والفوز بالمرتبة الرابعة من مباريات عرفت قتالية وتنافسية مشرفة عنوانها رضى الوالدين وإخلاص النية.
من مونديال قطر المتميز بتنظيمه والاستثنائي بجمهوره العربي الذي أبان على لُحمة قوية، وعلى رقي خطف كل الأضواء، صادحين بأعلى الصوت: أن العرب قادرون على خرق التوقعات كلما سنحت لهم الفرصة. وبالفعل، فمن فوز المنتخب السعودي على الأرجنتين وتحطيم كل الفرضيات إلى فوز المنتخب التونسي على فرنسا في مبارتين سيبقى تاريخ المونديال شاهدا عليهما، وصولا إلى فوز المنتخب المغربي على فريقين عريقين ومنتخبين نُسجت حولهما الأساطير؛ الإسباني والبرتغالي، بأسد زأر وكان رجل المقابلة، إلى أسد ارتقى فارتقى معه كل العرب وأوصل الفريق إلى نصف النهائي.
كل متتبع لأخبار مونديال قطر يعترف بكأس العالم الاستثنائي على جميع المستويات، سواء بخضوع كل الفرق للقيم التي تحترم إنسانية الإنسان وتُحرره من الحيوانية التي يحاول البعض الترويج لها ويجعلها أصلا، فلم نسمع طيلة فترة المونديال عن حالات السرقة، أو التحرش، أو أعمال الشغب… مفندين كمية الانتقادات التي سبقت المونديال، والادعاءات المغردة بأن البلدان العربية لازالت بعيدة كل البعد عن تنظيم تظاهرات عالمية وليست جديرة بها، وهذا ما استطاعت قطر تفنيده عن جدارة واستحقاق، مؤكدة ومبهرة للعالم أن العرب قادرون بأفعالهم، وليس هذا فقط، بل باحترام مبادئهم.
أما عن التلاحم الذي أظهره المنتخب المغربي مع بعضهم البعض، واحتفالات اللاعبين مع أمهاتهم أبان للعالم ما هو النجاح والفلاح وأن كل تميز أساسه إخلاص النية ورضى الوالدين، وبهما تسير العجلة ويُبلَغ الحلم. فمن نسبة تحت الصفر لتوقعات الفوز بكأس العالم إلى نسبة ثمانية في المئة، وهو أمر ليس بالسهل أن تنقلب الموازين وتجعل العالم يعترف بك وبإنجازاتك، وتعيد ترتيب المنتخبات العالمية القوية.
ونحن مع نهاية السنة، نتذكر أن المغرب كان رجلها بامتياز، فمن حدث ريان الذي وحد العرب أجمعين وجعلهم يلهجون بدعاء واحد أن يُنقذ الطفل ريان بشفشاون من الجُب، إلى مشاهدة مباريات المنتخب المغربي وتمني الفوز له من طرف العرب والمسلمين جميعا. وهذا ما لم يتحقق لأي منتخب أجنبي آخر، حيث كانت المساندة تقتصر على البلد المعني فقط والاحتفال كذلك، بينما المغرب يحتفل له من المحيط إلى الخليج، مذكرين العالم بلحمة عربية إسلامية واحدة.
فريد الخمال – مدينة طنجة
اترك تعليقا