إستطاع الروائي والقاص رضوان إيار أن ينحت إسمه في مجال السرد المغربي فقد أصدر ثلاثة أعمال أدبية، بدأها برواية “لم نمت..ذلك المساء” سنة 2019، وفي السنة الموالية 2020 أصدر مجموعته القصصية الأولى “ماذا لو دقوا جدران الخزان؟” وصولا إلى مجموعته “سرقوا كل شيء يا باتريس” موضوع القراءة، والصادرة سنة 2021 عن منشورات الراصد الوطني للنشر والقراءة.
ينساب الحكي في هذه المجموعة بطلاقة، ويجري على لسان الرواة مثل نهر متدفق لا يحده سوى المعني. وقد جاء ذلك نتيجة مراهنة القاص على تيمات الواقع والحلم، والحياة والموت، المقاومة والإنكسار، دون أن يغلب واحدة على أخرى، أو يستثني جانبا معينا. مما منحه حرية أكبر للتبحر بين الموضوعات، وفسح له آفاقا عديدة لتخلص من ضيق اللحظة السردية.
فالقصة القصيرة إذا لم تفتح لها مسارب الحكي كي تتوسع وتحيا وتتمدد في طلاقة فمآلها الموت، وهذا ما سقطت فيه التجارب الحديثة في القصة القصيرة. إذ أصبح نفسها يتضاءل جدا مثلما تتضاءل رؤاها ومسالكها إلى القارئ.
بالرغم من أن رضوان إيار جاء من جنس سردي مختلف -الرواية- إلا أنه أبدع في القصة القصيرة عبر باكورته “ماذا لو دقوا جدران الخزان؟”، وعمله الثاني “سرقوا كل شيء يا باتريس”، ما يميز هذا العمل هو البعد القومي الكوني عبر قضايا استأثرت بإهتمام المبدعين ولازالت تطرح بقوة. وما يميزه أيضا تلقائية الحكي مما جعل القاص طليقا في السرد مثل حكاء متمرس، دون أن يفقد المقود، رغم تعدد العناوين الفرعية لكل قصة أو نص سردي. فالنصوص جاءت لغتها مفعمة بالنفس الشعري الذي يعزف على وتر الوجدان.
ظلت النصوص كلها تتراقص بين الحكاية والحدث، الممزوجين بالحلم والواقع، والأمل والألم، والحياة والموت، ونحس أن القاص يدافع عن قضية المقاومة والنضال من أجل الحب والعدالة “- لكن أما زلت تؤمن بالمدينة حيث سنبني الحب والقيم والخبز والفرح والمسارح والساحات؟
– نعم أومن.” ص 21.
كما ينتصر للذات الطواقة للحياة “عندما تضع الحرب أوزارها، سأحارب كسلك، وسأجعلك تعشق الحياة وتغير عاداتك…”ص 14، وينتصر أيضا لغد أفضل “نحلم معا بحضن الوطن” ص46 “تعيد رسم أبعاد الوطن وتزخرف العلم الوطني” ص 46.
هذا ما جعل الكتابة السردية هنا يطبعها الصدق الإنساني والبحث عن إنسانية الإنسان المفقودة، وهذا هو الجوهر الحقيقي لكل فن رفيع يحمل رسالة. وللأسف هذا النوع من الكتابة القصصية بدأ يضيع ويختفي ليحل محله نوع آخر من الكتابة الطوباوية، البعيدة عن الكائن الإنساني وهمومه وقضاياه، القريبة من عالم كائن مجرد من كل القيم.
لقد قرأت هذه النصوص ووجدت نفسي داخل هذه التجربة السردية، متعاطفا مع شخصية من شخصياتها، منحازا لقضية ضد قضية، أو مع موقف ضد آخر.
في نصوص ” سرقوا كل شيء يا باتريس” تتورط الذات عبر الذاكرة الجريحة وما تمثله قضايا الأمة (فلسطين، لبنان،…) في الوجود الذاتي العربي.
كمال العود – مدينة أولاد تايمة
اترك تعليقا