حدثنا جدي قال: قبيل عيد الأضحى بأيام، نظرت إلى حضيرة الأغنام، فلم أجد غير روث الأنعام، فاتخذت خالي محمدا رفيقي في دربي، عسى الله أن يفرج على يديه كربي، وفي صبيحة يوم الخميس، أيقظتني أمي على ضياء الشمس، شددنا على إثرها الرِّحال إلى تِنْزِارْ، أرض السلم والأمان، والخراف السِّمان، كان خالي يمخر الطريق على جمله الأورق، وعلى هيأته حلاوة ورونق، أما أنا فقد ركبت على الأثان، محكما عليها العنان، يمشي خالي أمامي كالغمام، وكنت كمن يجري في المنام، ولما غطت الجبال الأرض بفيئها، ورُفع لصلاة المغرب آذانها، وطِئنا تنزار، فأنزلنا بمسجدها كل الأوزار، ولمَّا تأخر الإمام، رآى القوم خالي أسَنَّهم، وللقرآن أحفظهم، وللحديث أعلمهم، فضلوه على إمامهم، وقدموه ليصلي بهم، فتقدم للمحراب وكبر، ثم قرأ ذات السبع المثان، وأتبعها آل عمران، وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة قرأ المائدة وأتبعها الواقعة، لم ينحني للركوع حتى ابتلت لحيتي بالدموع، فحيرتني أهي من الخشوع، أم من الجوع، وبعد طول انتظار، وشدة احتضار، سلم وجهة يمنة ويسرة، ثم قام واتكأ على مِنْسَأته فقال :
- الحمد لله رب العالمين، مولانا ومولى الأكرمين، وصلى الله وسلم على رسوله الأمين ، خاتم الأنبياء المرسلين، أما بعد :
أيا أهل تنزار، قد أكرمتم الضيف، وطبقتم العرف، فأكملو الأجر، وحققوا النذر، إنا من دوار أَمَكْشُودْ، أرض أصحاب الأخدود، وعَادٍ وثمود، نحن ضيوف الرحمان، وطرائد مصائب هذا الزمان.
فقام رجل فيه سَمْتُ الأمراء، وقال أيا أيها الظرفاء، لكم عليَّ حق الغرباء، فسِرنا معه، قاصدين بيته، نقطع مسافته، ونشكر له ضيافته، ولم نزل كذلك حتى صِرنا في بيت كقصر الخلافة، وتوجهنا فيه إلى دار الضيافة، فدخلت علينا جارية للعقول أخَّاذة، بطبق كسكس فوقه دجاجة، تتحدث بكلام عليه ديباجة، ولبثنا عندهم في خير منزلة وأفضل مكرمة. وفي الغد مع بزوغ نور الشمس، صلينا أولى الخمس، فأتانا صاحبنا بالأمس، وقال لِعبدٍ أسود بجانبه : اذهب للحضيرة وأحضر خروفين سمينين، فأعطهما لهذين الضيفين، وبعد لحظة جاءنا بذِبْحَين عظيمين، أخذناهما والفرحة تغمرنا، فجمعنا رحالنا وعدنا أدراجنا.
إسماعيل أوحمو – مدينة ورزازات
طالب بالمدرسة العليا للأستاذة مكناس تخصص ” تدريسية اللغة العربية وآدابها “
اترك تعليقا