تعودا على الإلتقاء في المقهى كل يوم و تبادل أطراف الحديث أثناء احتسائهما لفنجان من القهوة. في المقهى عينه منذ حوالي عشر سنوات..
ذلك المقهى الذي باتت طقوس مرتادينه معروفة وأمكنتهم محفوظة. هنالك من تعود على المجيء و تصفح عناوين الصحف، ومناقشة كل الأحداث السياسية و الرياضية مع أول شخص قد يجلس إلى جانبهم و كأن الكلمات في أفواههم تبحث دوما عن مجرى لها.. .
آخرون يراقبون الزاوية في صمت مطبق، في يدهم سيجارتهم كالعادة، يلجؤون إلى المقهى حسب ظنهم للترويح عن أنفسهم و الهرب من هموم الحياة التي باتت أكواما.. لكنهم و في الواقع يأتون فقط لمشاهدة شريط حياتهم على الجدران و هم شاردون..
رائحة التبغ المنبعثة من كل الأركان و الأحاديث التي تتسلل إلى مسامعهم تجعل من آلامهم تتفاقم أكثر فأكثر.
لكنهم تعودوا..
كم هو صعب التخلي عن طقس يومي رغم أنه يحرق كل مرة طرفا منك..
طارق و علي.. صداقة دامت لسنوات طوال. من مقاعد الدراسة إلى كراسي مقهى الحي.
دهر من الزمن، كان كل واحد منهما قطعة أساس في حياة الآخر.. بحرا يسكب فيه جروحه فيرتاح في الحين..
ابتعد طارق ذت يوم، لم يكن متواجدا في اليوم الموالي كذلك..
طال غيابه، فما كان بوسع علي سوى الإنزواء.
فكيف لصديق عمره أن يرحل هكذا فجأة دون سابق إنذار؟
انحشر في الزاوية، غير مكانه في المقهى. استرق السمع إلى أحاديث السياسة و الفن في الطاولات المحاذية لكنه لم يستمتع قط.
نظر إلى الجدار مطولا، لكن و ما أن تمضي لحظات حتى يتعالى صدى صوت طارق في رأسه، يشتد ضيقه فيغادر المقهى..
لكنه و في اليوم الموالي يعود.
ذات يوم استفاق علي على وقع طرق الباب. فتحه فوجد صديقه طارق .
قال طارق و عيناه تدمعان كينبوع متفجر: “أحيانا عزيزي تعصف بنا الحياة و ترمي بنا إلى البعيد.. لكن الطيور وكما تعلم، تعود دوما إلى أوطانها”.
أخرج كيسا محملا بالكثير من الرسائل و ناوله إياها،” كل ما لم أخبرك به أثناء غيابي هنا، صديقك كنبتة صبار تؤلم بأشواكها، لكنها تنغرز في الداخل و بشدة أيضا”.
النهاية
هاجر أوحسين – مدينة مكناس
- من مواليد مدينة مكناس، المغرب .
- طالبة هندسة طبوغرافية بمعهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة بالرباط.
- فاعلة جمعوية .
- صدر لها كتابها الأول: أضغاث أحلام، عن مؤسسة مقاربات للنشر بفاس.
- لها مساهمات في مجلات ورقية و الكترونية.
- لها مشاركات في كتب جماعية من بينها:
- قصة في أدب الطفل ضمن مجموعة: حدوته صغنتوته، عن ملتقى كتابنا العرب و دار فينكس
للنشر و التوزيع بمصر.
- قصة قصيرة في الكتاب الالكتروني: من وحي القلم، عن دار بسمة للنشر الإلكتروني بالمغرب.
اترك تعليقا