..رن هاتف “الحسين” المحمول، أراد أن يتفقد هوية المتصل – الذي لم يكن ضمن قائمة أسمائه- ، تأخر قليلا من شدة الفزع الذي أصابه في تلك اللحظة، حتى انقطع الاتصال! فتساءل مع نفسه: من المتصل يا ترى؟ يا للهول! نفذ حتى اعتماد مكالماته! ارتدى “الحسين” جلبابه البني وحذاءه الذي فقد لونه بعد سنوات من البريق، وحمل منجله كعادته واتجه نحو الغابة، بعدما أدى صلاته الوسطى وقبل رأس والدته التي كانت تسبحل وتحمد، في طريقه كان صوت الرعد يبشر بقدوم غيث، فرح فرحا شديدا؛ لأنه يحب أن يشتم رائحة التراب المبلل بالمطر، لكن ظل في حيرة من أمره، وتساءل: هل يعود أدراجه، أم يكمل طريقه إلى الغابة ويجلب لماشيته ما يقتاتون عليه، بعد تفكير عميق أكمل الحسين مسيره ووصل، وبعد هنيهة أخذت قطرات مطر خفيفة تهطل، مما جعل الحسين يسرع في جمع الكلأ، لكن بعدما منحته قطرات المطر أن يجمع رزمته، لم تمنحه بأن يغادر المكان بعدما اشتد سقوطها… فكر الحسين في مكان الاحتماء تحت النخيل، لكن السنوات العجاف التي مرت جعلتها تفقد اخضرارها، فصارت أشلاء هذه النخيل رمادا بعدما أنتجت رغيفا. ..
توسط الحسين رزمته جالسا واستسلم للحظة، ابتلت ملابسه، وشعره، وتذكر وفاة والده، وفراقه الذي ترك في المنزل شيخا كبيرا، وتذكر أمه العجوز كيف ضحت بشبابها من أجله قبل أن يكتسح الشيب فوديها، ولم تنعم بحياة أخرى مع بعل آخر. .. كما تذكر عطله عن العمل بعدما أنهى دراسته الجامعية وتكوينه المهني، فاختلطت أحاسيسه ودمعت عيناه.. كانت السماء قد أقلعت من هطول الأمطار الغزيرة، بينما الحسين لم يقو عن الحركة من شدة البرد.. سمع صوتا شجيا بعيدا يناديه: الحسين..! عرف بعد اقتراب الصوت منه بأنها أمه، التي جاءت تتفقد أحواله، حاملة في يدها معطفا ومنديلا لكي يجفف ما علق من شعره ووجهه من قطرات المطر، ضم الحسين والدته ضما حتى اغرورقت عيناهما بالدموع، فقبل يدها تقبيلا، وجففت عبراته وهي تخبره بأن هاتفه قد رن رنات عديدة جعلته يتساءل من جديد عن هوية المتصل.
مزيدا من التألق و العطاء
جميل، مسيرة إبداعية موفقة أخي.
حلم اتضح أنه شبيه بما نعيشه نحن المغاربة حاليا.