لم تطأ قدمه “البريد بنك” منذ مدة طويلة..هو يكره الذهاب إليه من الأساس لكنه اظطر للقيام بذلك هذه المرة نظرا لوجود غرض مهم وجب عليه أن يقضيه.. بعد أدائه لِصَلَاتَيْ الفجر والصبح خرج مروان من منزله مبكرا كي يكون أول الحاضرين وكي يتمكن من قضاء غرضه الذي جاء من أجله ثم يتوجه لقضاء أغراض ومشاغل أخرى في انتظاره..،لكن هيهات هيهات أن يحصل ما فَكَرَ فيه، فكما يقول المثل: “لي فراس جمل فراس جمالة” إذ فور وصوله وجد مجموعة من الأشخاص هناك ينتظرون قدوم الموظفين بالبريد كي يوزعوا عليهم ورقة للشخص الواحد تتضمن عددا معينا حسب من قدم الأول ومن قدم الثاني فمثلا من قَدِمَ الأول يحصل على ورقة تحمل رقم واحد، ومن قدم الثاني يحصل على ورقة تحمل رقم اثنان وهكذا..وقد حصل هو على ورقة تحمل الرقم 42 لذلك كان عليه أن ينتظر أكثر مما اعتقد.. رغم أنه لم يتقبل الأمر وذلك لأن استيقاظه باكرا وخروجه من المنزل حتى قبل أن تشرق شمس ذلك اليوم أضحى بلا جدوى..فقد خرج مستعجلا وحتى من قميصه فقد ارتداه بشكل مقلوب لولا فطنة زوجته التي نبهته لذلك..
استسلم لأمر الواقع في النهاية وأدرك أنه عليه أن ينتظر ولا شيء غير ذلك..كان ثمة أشخاص يأتون ويدخلون لقضاء حاجاتهم الشخصية(وليس المهنية) دون الحاجة للورقة وكأنهم معصومون منها! وأغلبية هؤلاء كانوا ممن يرتدون “اللباس المخزني” وكأنهم فوق القانون، ولم يقتصر الأمر على هؤلاء فقط بل كان هناك أشخاص من (أبناء الشعب) يتحججون بأمور واهية كي ينالوا استعطاف الناس ويتمكنوا من قضاء حوائجهم دون أي تأخر يذكر..الشيء الذي أثار غضب مروان وجعله يسب ويشتم في قرارة نفسه معلنا عن ثورة داخلية لا يعلم عنها أحد شيئا..ونظرا لأنه البريد الوحيد الموجود في مدينته اظطر مروان لأن ينتظر ويزيد من سعة صدره ويهدأ من غضبه..
انتظر إلى درجة لم تعد تطاق.. كيف لا وهو الذي خرج من منزله دون أن يتناول وجبة الفطور حتى.. وها هي معدته ترسل إشارات إلى عقله الذي كاد أن يتزحزح من مكانه من فرط الانتظار.. يئس من الانتظار فأطلق العنان لمخيلته الصغيرة فخطرت بباله فكرة.. غادر البريد على عجل وغاب لبعض الوقت ثم عاد لكن بهيئة أخرى.. فقد قام بحلق لحيته واستبدل ملابسه التي كان يرتديها بأخرى قديمة ورثة..كما أنه استعار كرسيا لذوي القدرات الخاصة كان قد اشتراه لأمه بعد أن لاحظ أنها قد بلغت من العمر عتيا، وأنها لم تعُد تقوى على المشي!.. وفور وصوله لاحظ استعطاف الناس وكيف أنهم سمحوا له بالدخول دون تردد أو معارضة ظنا منهم أنه من ذوي القدرات الخاصة بالفعل!.. دلف إلى الداخل وقد رسم على وجهه ابتسامة خفيفة لها تأويلات عدة! وبعد مرور دقائق معدودة كان مروان قد انتهى فعلا من قضاء غرضه فغادر البريد وهو ينظر هنا وهناك وكأن لسان حاله يقول “والله إلى الحيلة أحسن من العار.. ماكذبوش!”
ملاحظة: القصة من تأليفي ليس إلا، حتى وإن بدت أحداثها واقعية.
ياسين اليعكوبي – مدينة جرسيف
طالب جامعي بشعبة الدراسات العربية
اترك تعليقا