سلمى العلالي تكتب: عبد الكبير الخطيبي من فلسفة الاختلاف إلى تجاوز المثاقفة

11 فبراير 2021

في ذكرى ميلاد المناضل الطبقي

يصادف  يوم 11 فبراير من كل سنة ذكرى ميلاد المفكر والكاتب عبد الكبير الخطيبي، المناضل الطبقي أو كما سمى نفسه بــــ” الأجنبي المحترف”. سنحاول في هذه الوريقات  إزاحة غبار الغياب عن باحث فذ قدم ارثا غزيرا في مختلف المجالات : النقد الادبي، الابداع (شعرا ونثرا) ، علم الاجتماع، الفلسفة … وغيرها . و لتجديد أواصر الوفاء سنعمد إلى تقديم الابداع الشعري المميز الذي قدمه عبد الكبير الخطيبي الموسوم بـــــ:” المناضل الطبقي على الطريقة التاوية”.

أولا: قراءة خارجية  لديوان “المناضل الطبقي على الطريقة التاوية”

المناضل الطبقي على الطريقة التاوية هو منجز شعري للكاتب عبد الكبير الخطيبي، كتب باللغة الفرنسية و ترجمه الى العربية المترجم “كاظم جهاد” حيث يكشف من خلاله الخطيبي تشبعه بالماركسية ثم  الطريقة التاوية والتماهي مع الارث الاسيوي.

ان التجربة الشعرية لدى عبد الكبير الخطيبي من خلال هذا الديوان جزء من تجاوز المثاقفة حيث التماهي الكامل مع اللغة الفرنسية واستلهام الارث الاسيوي والفلسفات التأملية، إذ يقدم الديوان “خلاصة فريدة وشديدة التكثيف لفكر الخطيبي، الذي أبان عن نفسه في روايات الكاتب ودراساته الفكرية، والذي تمحور حول مسألتي الهوية والاختلاق أو حول ما يمكن إيجازه في مصطلح النقد المزدوج”(1).

ثانيا: المرجعيات الثقافية وسياق التأليف

يندرج سياق تأليف ديوان ” المناضل الطبقي على الطريقة التاوية” ضمن الثقافة الآسيوية، حيث المرجعية التاوية والفكر الـلاوتسوي حاضران بشكل كبير فهو كما صرح كاظم جهاد ضمن تقديمه للديوان” كتابة حديثة يتمثل همها الأساس في زحزحة الموانع واختراق الحدود على نحو دائم، وهكذا ففي إمكان القارئ أن يقرأ المقطعات الأربعين التي تؤلف هذا النص كما لو كانت سلسلة في نشيد شعري مقطع عن عمد على طريقة الهايكو الياباني،أو كبيانات شعرية-فلسفية على الطريقة التاوية”(2) من هنا نتبين الأسس المرجعية التي يستند عليها  هذا النموذج الشعري أو كما سماه “محمد بدويك” بـــــــ” البيان الشعري”كما لن ننسى ان الخطيبي قد تأثر بشكل كبير بالتراث العربي خلال تأليفه الشعر حيث”بدأ  تجربته الإبداعية بالشعر وهو لا يزال تلميذا فتأثر خاصة بشعراء مثل المعري المتنبي وبودلير وجبران وغيرهم”(3) اذن فديوان المناضل الطبقي على الطريقة التاوية هي تجربة مخضرمة حيث التثاقف والتلاقح الثقافي بين مختلف الأيديولوجيات والمرجعيات.و بالنظر الى مفهوم التاوية يمكننا إعطاء توصيف لها حيث:” يقصد بها الطريق أو السبيل، وتتميز التاوية بنوع من الجدل، إذ نجد أن التاوية تتجسد في دائرة (اليانغ – الين)، “لاوتسو” أعطى تعريفا بالغ الأهمية للتاو إذ عرفه بالطريق الذي يؤدي للحركة”(4)والطريقة التاوية هي مكون من مكونات الفلسفة الشرقية الاسيوية التي ظهرت مع المعلم ” لاوتسو” حيث ألف كتابا عن التاوية تحت عنوان” التاو تي تشينغ،انجيل الحكمة التاوية في الصين” والذي قام بترجمته الباحث “فراس السواح”، ويحمل الكتاب الفكر التاوي الصيني وأهم مقولاته وفلسفته إذ ام أهم افكاره تتجه نحو الوجود والانسان منطق الثنائيات، يقول المعلم لاوتسو “يقوم التفكير الصيني منذ أقدم الأزمنة على النظر إلى الحياة والإنسان، والوجود بأكمله، على أنه نتاج حركة قوتين ساريتين في كل مظاهر الوجود، هما “اليانغ”و الين”: الموجب والسالب، المذكر والمؤنث.”(5).

استنادا لما سبق فإن أساس الوجود الكوني ينبني على عالمين مختلفين لكنهما يتكاملان فيما بعضهما، اي لا وجود للخير دون الشر ولا يكتمل الذكر دون الانثى ولا معنى للكلام دون الصمت… هذا هو منطق الثنائيات وقانون الأقطاب الذي تنبني عليه الفلسفة الشرقية والفكر التاوي. لقد استلهم عبد الكبير الخطيبي الفكر التاوي ليقوض الفلسفة الغربية التي “حصرت نفسها في فكر ضيق حيث ربط تاريخ فكره بمغامرة اللوغوس الذي جعله ينغلق على نفسه قامعا وكابتا لكل فكر مغاير ومخالف”(6)من هنا اتى اهتمام الخطيبي بأعمال جاك دريدا الذي يسعى إلى هدم وإعادة بناء الخطاب الميتافيزيقي، فحاول الخطيبي فهم كتاباته ثم فلترتها فشيد عبر مجهود نقدي كبير مفهوم “الاختلاف” او “فلسفة الاختلاف”. يقول عبد الكبير في هذا الصدد:”… هدفي هو ان اخرج من النزعة الايديولوجية واللاهوت المسيطرين في العالم العربي. ذلك ان فكر اللاهوت لا زال قويا ليس فقط على السلفيين ولكن حتى لدى الأيدولوجية السائدة في صفوف اليسار حيث يحتفظ بجذوره. فما دمنا نفكر ونتأمل العروبة كـــ”شمولية” وكــــ” أصالة” فإننا نسجن أنفسنا في الفكر اللاهوتي والميتافيزيقي. ذلك أن كائننا ليس معطى كشمولية، ولكنه بحث غير ممركز…”(7)لذا فديوان “المناضل الطبقي على الطريقة التاوية “هو في العمق بحث عن هذا الكائن المتفكك، هذا الكائن الوحيد والذي ينفي كل أصل”(8).

يقوم عبد الكبير الخطيبي من خلال المقاطع الشعرية الأربعين تفكيك النسق الفكري للطريقة التاوية متجاوزا من خلال هذا التفكيك مفهوم المثاقفة إلى البناء المشترك، حيث تنصهر الأفكار والمقولات وتذوب الأيديولوجيات أكانت غربية ، عربية، شرقية… إن ديوان المناضل الطبقي على الطريقة التاوية هو تجربة صوفية يحاول من خلالها عبد الكبير الجمع بين المتناقضات ، انه لسؤال جوهري الذي طرحه الباحث “محمد بودويك” هل بالإمكان الجمع بين المتناقضين بين فكر يدعو إلى الصراع والعنف قصد تحصيل التغيير. وفكر يدعو إلى المسالمة والمحبة والجمال والفراغ؟ فيجيب عن هذا التساؤل بقوله:” ان الديوان/البيان الشعري يجيب عن هذا السؤال الحائر إياه. بالمعنى الذي انسكن فيه والدلالة التي تفتقها العين القارئة، والمراودة الطويلة الصبور. فبالأضداد تحيا الحياة أي بالأضداد والمتعارضات، تنبثق المطلقات ماحية الثنائيات، إذ الثنائيات ميتافيزيقا، فالإنسان جسد وروح، مادة وهيولي، طين ونور، خبز وقمر. ظلال وشموس. ولكنه يعلو على ثنائياته تلك بما ركب فيه جماع الثنائيات حتى صارت واحدا موحدا وواحديا وصارت مطلقة لا قبل لنا بفصل الوجه عن القفا”(9)

ختما لما سبق يمكن القول ، ان ديوان المناضل الطبقي على الطريقة التاوية يبحث في الثنائيات ويستلهم قانون الأقطاب، حيث سعى الخطيبي  إلى مواجهة الفكر الميتافيزيقي وعلى حد تعبير الباحث “محمد الزاهيري” فإنه ينتقد المقولات الثنائية، وبالتالي فإنه يدعو الى احترام فلسفة الاختلاف وتأسيس مفهوم “التحاب” متجاوزا بذلك مفهوم المثاقفة بشقيها اللغوي والثقافي.

هوامش

1- المناضل الطبقي على الطريقة التاوية،عبد الكبير الخطيبي، ترجمة كاظم جهاد،دار توبقال للنشر،ط1، 1986،ص5

2-  المرجع نفسه، ص6

3- الكتابة والتجربة حول مشروع عبد الكبير الخطيبي الفكري والأدبي، مجموعة من المؤلفين، تقديم واشراف،مراد الخطيبي، مقاربات للنشر والصناعات الثقافية، ط 1، 2017ص52

4- المرجع نفسه، مقدمة الكتاب، ص6

5-  مقال تحت عنوان ” ماذا تعرف عن الفلسفة الشرقية اليونانية”، سفيان البراق، حفصة جودة 2017، مدونة “نون بوست، موقع الكتروني https://www.noonpost.com/content/20618

6- التاو، انجيل الحكمة التاوية، لاوتسو، ترجمة فراس السواح، الطبعية الاولى 1998،دار علاء الدين للنشر والتوزيع والترجمة، دمشق،ص9

7- المناضل الطبقي على الطريقة التاوية، عبد الكبير الخطيبي،ص84

8- Jeune Afrique du 28 Janvier.1977

9-محمد الزاهيري، الخطيبي: فكر الاختلاف وكتابة الجسد،مقالة منشورة ضمن مجلة الثقافة الجديدة، العدد29،سنة 1983

سلمى العلالي

 باحثة بسلك الدكتوراه ، مختبرآداب وفنون متوسطية

كلية الآداب والعلوم الإنسانية / جامعة محمد الخامس الرباط

المغرب.

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :