رشيد سكري يكتب: قاربُ سَميحة

25 يناير 2021

     استيقظتْ أمي فاما عادة ، على صفير النوارس ، وهي تجوب بمناقيرها الحادة ، ضفاف نهر أبي رقراق . صرير بابها المتهالك كشف عمَّا بداخل البيت القصديري من أوان متهالكة ، وبقايا بشر ملفوفين في دثار أسود وأحمر . لم يكن الوادي ، الذي يقسم مدينة الرباط إلى عدوتين ، ممرا للسياح والعابرين فقط ، وإنما كان معبرا لذاكرتها الموشومة ، أيضا ، بالألم والأمل .

صراخ صبية يأتيها بعيدا ، يتبعون سيول الوادي بين صواعده و هوابطه  ، وعند كل منعطف يرتفع الجذب ، ويشتد معه هرْج و مرْج .

 يتصايحون . يلعبون  :

ـ ها ! نحن قد أمسكنا ب ” حنكليس “

لا ! لا !

قد ابتلعه المرجان ، حاول مجددا

هنا … تصعد بعض الفقاعات … لا حظ … لا تحيد عنه ناظريك .

وقفت أمي فاما على حافة الوادي ، وهي تتأمل قارب ” سميحة ” ، وهو طاف فوق المياه ، خال من زبناء يعبرون الوادي إلى الضفة الأخرى . تتذكر الحركة الدؤوب العابرة في فصل الصيف ، وعندما يغيب القرص الأحمر في مجاهل البحر ، حيث يغدو المكان قبلة لسياح يعشقون جمع الصور .

تتذكر أمي فاما كيف بدأووا  يزحفون على  ما تبقى من ضفاف ، بمتاريسَ إسمنتية تأكل أحياء بكاملها ، وتشرب البلاد والعباد . في غضون ثلاث ليال ، كانت أمي فاما تقلب وجعا مدفونا في جزء من ذاكرتها ؛ لزوج طريح الفراش . رمت في جوف الليل ، جنب الوادي ، خمس جمرات علها تعينها على قضاء حاجتها . وتنهض الوعول من سباتها ، مكتوية باللظى والشوق إلى العبور … هكذا ذهابا وإيابا على ضفاف أبي رقراق .

إلى جانب قارب سميحة ، في ليل بهيم ، حكت أمي فاما عن يخوت كبيرة كالأعلام استقر بها المقام ، فنصبوا متاريسَ  ، ولا قطات هوائية تدور ناشرة أدخنة تشق العنان … لم تعد الضفة كما كانت في سابق عهدها … ولم تعد الحياة كما ألفتها أمي فاما ؛ لأن الوعول لازالت تركض في البرية .

رشيد سكري – مدينة الخمسيات

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :