..بعدما تفشى الوباء في كل بقاع المعمور.. وبعد اختراقه حدود الدول عن طريق برها وبحرها وجوها..، جندت مختلف المنابر الإعلامية أقلامها ومعداتها القديمة والحديثة..، ثم جيشت جيوشها من رجال ونساء الإعلام..، سخرت لهم الزاد والقوة والعتاد..، سخرت لهم كل شيء للحديث عن هذا المرض الخبيث الذي دخل بيوت كل الأمم دون تأشيرة عبور..، غير آبه لتواجد رجال الجمارك على حدود البر، وفي الموانئ والمطارات..
كورونا ليست كأي وباء..، كورونا ليست هي إيبولا..، ليست هي الطاعون ولا الجذام، كورونا، لا تشبه سائر الأسقام..، كورونا حدث وقع في هذا العام ولم يكن وقوعه في الحسبان، صار الناس يشبه هذا العام بعام الحزن الثاني..، الوباء سيطر على الناس كما سيطر على قنوات الاتصال والتواصل..، المذياع والتلفاز والجرائد والمجلات أخبارها أضحت إحصاء الموتى والإصابات..، وكذلك كانت كل المواقع الاليكترونية التي صار يختفي ورائها عديد من الناس بأقنعة مختلفة باختلاف أعمارهم وأجناسهم وتوجهاتهم..، كورونا الوباء الذي كشف القناع عن كل شيء..، الوباء الذي سال لأجله مداد أقلام لا عد لها ولا حصر..، أقلام الصحافة..، أقلام الأطباء..، أقلام أهل الفكر.. وأقلام أخرى لا تدين بدين..
ها هي قناة مشهورة..، كغيرها من القنوات قد انتدبت أحد أبرز منشطيها ليكون لسانا ناطقا باسمها يأتمر بأمرها وينتهي بنهيها فيما هو مقبل عليه بالذات..، الحديث عن موضوع الساعة الذي قضى على الأخضر واليابس من الناس، قضى على من هم في خريف العمر ولم يبالي لمن هم أزهار ونبتات متفتحة في أول ربيعهم..، الوباء لا يميز بين الفصول..، لا يميز بين صم وبكم وعمي، لا فرق عنده بين عربي وعجمي..، لا شعور يملكه ولا إحساس..
صلاح رجل إعلامي ومنشط أخبار لسنوات طويلة.. يناهز الخمسين من عمره أو يزيد قليلا..، متوسط القامة، ذو صوت جهور به بحة تميزه عن غيره من زملائه في المجال..، خفيف الظل، متفائل دائما، مشرق الأسارير بالرغم من ضغط العمل، ومع ذلك لا يغتاظ ولا يقلق أبدا..
صلاح سخر نفسه-وكان يعلم أن الطريق الذي سيسلكه طويل وشاق- سخر نفسه بكل ما أوتي من قوة-هو والطاقم الذي يشتغل معه-ليبث برنامجا تلفزيونيا اجتماعيا توعويا بدأ صغيرا كنقطة داخل كوب، لكن سرعان ما فاض حتى عم الجميع..، الكل قد اغترف منه غرفة.. البرنامج أسماه أسئلة كورونا..، الداء الوبيل الذي حل ضيفا ثقيلا غير مرغوب فيه من قبل كل الناس..، كل الناس-وفي غالبية الكرة الأرضية-صارت تلهج باسم هذا الداء الخبيث الذي لم يسلم منه الفقير والغني..، لم يسلم منه الصغير والكبير، الكل أضحى يعاني منه من النساء والرجال في المدن والقرى..
رن هاتف البرنامج ولم يسمعه أحد إلا صلاح مقدم البرنامج.. كان المتصل شابا عشرينيا قد قضَّتْ مضجعه هموم البطالة.. ومشاكل كورونا التي زادت الطين بلة..، أجاب صلاح على عجل، قائلا: مرحبا من المتصل..؟ صار الشاب يعرف بنفسه قائلا:
-أنا فارس من قرية النعمان المتواجدة في ناحية شرق البلاد..
قاطع صلاح كلامه وقال: مرحبا بقرية النعمان وأهلها.. تفضل “أسي فارس” ما سؤالك؟ -وكان يجلس بجانبه طبيب متخصص في مجال علم الأوبئة..، قد حل ضيفا على البرنامج ليجيب عن أسئلة المواطنين، وكان الشاب فارس أولهم خلال تلك الحقلة التي بثت على الهواء مباشرة..
فارس يسأل-والارتباك يظهر من خلال صوته الذي يخافته أحيانا ويجهر به أحيانا أخرى..، من فضلكم أريد أن أسأل عن..، قال صلاح: تفضل أنا والدكتور وكل السادة المشاهدين نستمع لك..، تابع فارس كلامه قائلا:
سمعت أن كورونا لا تصيب الشباب، فهل هذا صحيح؟ وهل الأعشاب الطبية وبعض السوائل يمكنها أن توقي من هذا المرض اللعين..؟ القرنفل والحبة السوداء والزنجبيل والثوم والعسل والزيت البلدي و..و.. قاطع كلامه صلاح وهو يبتسم قائلا: المهم الغابة بما فيها ومن فيها..
وجه الخطاب للدكتور-بعد شكره الحار على تلبية دعوته، أو دعوة القناة-الدكتور الزايدي خريج جامعات عالمية معروفة..، وقد اشتغل في مهام مختلفة في مجال الصحة خارج البلاد وداخله..
حنحن الدكتور..، ثم شرع في تقديم أجوبة على الأسئلة التي طرحها فارس، قال: بداية أشكركم سي الصلاح وللسيد المتصل أيضا-الذي ناب بأسئلته-عن جمهور واسع من المشاهدين والمشاهدات والمستمعين والمستمعات على السواء.. أما بخصوص الفئات العمرية التي قد تكون عرضة للإصابة بهذا الداء الخبيث-كما أسماه المتصل الكريم-فإنني أُأكد-ومن موقع المسؤولية-أنه ليست هناك دراسات تقول إن هناك فئة دون فئة يمكن أن تصاب بالوباء أو لن تصاب..
علينا أن نعلم جميعا أن الداء خطير قد يصيب الصغير والكبير، ولنا في قصة الطفل ياسين عبرة..، طفل تعاطف مع وضعه الصحي جمهور عريض من رواد صفحات التواصل الاجتماعي.. لم يتجاوز عمره العشر سنوات أصيب بهذا الداء-بسبب أو بآخر-لازم على إثره الفراش داخل المستشفى الجامعي لمدة عشرين يوما..، لكن وافته المنية رغم جهود الأطباء المتواصلة لإنقاذ حياته..، جهود باءت بالفشل أمام الموت التي أنشبت أظفارها في جسد طفل بريء، ربما كانت له أحلام..
قاطع صلاح حديث الطبيب..، ثم قال بلكنة يغلب عليها الكلام العامي الدارج.. كلام يمكن أن يفهمه الجميع-وربما كان ذلك الأسلوب في القول مقصودا منه..، وربما كانت طريقته تلك هي من جعلته يستولي على قلوب وعقول الناس..، فدخل كل البيوت من أبوابها الواسعة والضيقة أيضا..؛ بيوت المدن وبيوت البدو..، فالكل ينتظر الوقت الذي كان يبث فيه برنامجه..، الكل كان يتابعه عن كثب بسمعه وفؤاده.. الرجال والنساء والأطفال..
قاطع صلاح كلام الدكتور الزايدي، ثم قال: أما بخصوص التداوي بالأعشاب الطبية..، فما قولكم عن هذه الأمور التقليدية؟ أجاب الطبيب قائلا: إننا لا ننكر دورها الفعال في معالجة بعض الأمراض، وتلك عادة ورثناها عن أجدادنا في الزمن الذي كانت فيه وسائل الطب محدودة..، لكن اليوم-ومع ما عرفه العالم بأسره من تطور علمي ومعرفي-صار الطب بديلا، خصوصا وأن هناك أمراض العصر..؛ الأمراض العرضية أو المزمنة التي تحتاج إلى ذوي الاختصاص..، وكورونا وباء عضال لا تنفع معه العشوائية وكثرة القيل والقال عن أصناف وأنواع الوسائل التي يمكنها تقي من هذا الوباء..
بقيت الاسئلة تنهمل كالسيل العرم من قبل المتتبعين للبرنامج طيلة مدة الحلقة، بل طيلة الاشهر التي أذيع فيها البرنامج.. وكان صلاح كل يوم يستضيف شخصا جديدا له اختصاص جديد في مجال جديد..، أشخاص لم يسبق لهم أن ظهروا على شاشات التلفاز..، وربما كانت أسماؤهم غير معروفة عند غالبية الناس..، تلك من حسنات الوباء وكانت كثيرة..، لكنها لم تستطع محق سيئاته، فسيئاته أكلت حسناته كما تأكل النار الحطب..
وفي إحدى الحلقات تفاجأ الجمهور بظهور صلاح-وضيفه مرزوق-واضعا كِمَامَةً زرقاء فاقع لونها..، وأمامه قنينة بداخلها محلول كحولي خاص بتعقيم اليدين..، لم تكن هذه الأمور من ابتكار صلاح ولا ضيفه المتخصص في مجال القانون..، الذي لم يكن يدخر جهدا في الشرح والتفسير، وتوضيح الأمور حتى ظنه البعض ساذجا..
كان الأستاذ مرزوق كله غيرة على ابناء بلده..، وعلى الوضع الذي آل إليه وطنه وباقي الأوطان..، بفعل هذه الجائحة التي اضحت كمسلسل طويل كثير الحلقات..، حلقات غالبا ما يموت فيه البطل والبطلة التي قد تكون امرأة عجوزا أو شيخا اشتعل رأسه شيبا أو كهلا أو شابا أو طفلا لم يبلغ الحلم بعد..
التعقيم والكمامة والتباعد الجسدي..، إجراءات وقائية لابد منها بأمر إلزامي من الدولة..، ولن تتوانى في معاقبة كل مخالف إما بغرامات مالية متفاوتة..، أو بالسجن موقوف التنفيذ..، وقد يكون السجن غير موقوف قد يدوم لأشهر معدودة..، بعد حكم القاضي صاحب الحل والعقد في مثل هذه الأمور..
ظل البرنامج يُبثُّ على الهواء في نفس التوقيت وعلى نفس القناة..، يناقش فيه صلاح موضوعات كثيرة في مجالات مختلفة..، مجال الاقتصاد الذي صار ينهار شيئا فشيئا وكل المؤشرات تظهر ذلك..، غلاء الأسعار أرهقت كاهل الناس..، ومجال الصحة المحور الأساس الذي سُخِّر لأجله البرنامج ككل..، الصحة التي صارت عليلة معدومة.. والمجال الاجتماعي الذي لم يعد من الموضوعات الصغيرة كما كان..
تحدث صلاح في حلقات برنامجه عن التكافل والتعاون..، تحدث عن الصبر والحلم.. ناقش في حلقات غير قليلة موضوع الدعم المادي الذي خصصته الدولة للفئات المتضررة بفعل الجائحة وللأسر الهشة-وهم كثير بلا عد أو حصر-تحدث عن كل شيء..، ولم يترك شيئا سنحت له الفرصة بذكره إلا ذكره..، وكان في كل حالة يذكر بعدد الإصابات بالوباء وبعدد المتعافين وبعدد من قضوا نحبهم أيضا..
كان يذكر بأوضاع دول العالم بين الفينة والأخرى؛ شأنه في ذلك شأن باقي القنوات الفضائية المحلية والدولية.. بقي صلاح على ذلك الحال ينبه الناس إلى خطورة المرض ويهوله..، الوباء عدو وخصم لذود لا أحد يمكنه أن يسلم من بطشه..، وصفه بالماكر والجبان..، شببه بالإنسان والحيوان والنبات وغير ذلك من المخلوقات..، إلى أن قرر يوما-ربما بتوجيه من الهيئة المسيرة للقناة التلفزية- قرر تغيير الروتين الذي اعتاد عليه الناس حتى صار محط سخرية وتهكم عند البعض..
لقد تغير البث من المباشر الى مباشر المباشر حيث نزل صلاح رفقة طاقم من المصورين والتقنين..، نزل الى الشارع ليرقب معاناة الناس وهمومهم عن كثب..، أجرى مقابلات مع مختلف الأعمار والاجناس..، كان يحزن مع هذا لوضعه المزري.. ويبتسم مع ذاك..، تعرض لحملات فايسبوكية لاذعة..، شُنَّت ضده إلا أنه كان ضد التيار..، يفعل ما يُمليه عليه ضميره وربما ما كانت تمليه عليه القناة..، فهو موظف لديها..، والموظف يتلقى الأوامر والنواهي كما الاطفال زمن الطيش..
الطيش الذي كان يعترض سبيل صلاح..، مرارا وتكرارا إلا أنه لا يظهره لعموم الناس..، لأنه كان يعرف أن الرسالة التي هو بصدد إيصالها أقوى من كل عائق.. كان دائم التفاؤل..، بغد أفضل يبشر به جمهوره الواسع..، الوضع سيتغير والوباء سيزول ولو بعد حين..، لكن شريطة أن يكون هناك عمل دؤوب..، عمل مشترك بين الناس فرادى وجماعات..، تابع صلاح كلامه قائلا: الوعي بالمسؤولية من قبل كل المعنيين من مختلف المصالح..، الكل معني في نظري..، لذا فالكل ينبغي أن يشارك من موقعه..
ها هو صلاح يحمل الميكروفون يتجول في شوارع البيضاء-رفقة طاقم التصوير-اعترض سبيله العم عمر رجل مسن قارب عمره السبعين أشعث أغبر..، اعترض طريقه وصار يستنجد قائلا:
أنا مواطن ولا أرضى بوطني بدلا..، لكن لا معيل لي سوى بعض المحسنين الذين كانوا ينظرون إليَّ بعين الشفقة.. لا أبناء لي يكونون ركنا شديدا آوي إليه.. لا مأوى لي يقيني من حر الشمس أو برد الشتاء سوى زريبة فوق سطح بيت أدفع أجر كرائها كل شهر ولا أراها إلا مرة واحدة في اليوم..، وفي النهار فقط..، والصحة كما ترى..، ثم طأطأ رأسه إلى الأرض..، ووضع يديه على رأس وصار يردد ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب..، كان يرددها والدمع ينهمل على خده المتجعد.. قاطع صلاح كلامه، ثم قال-وكله أسف-كيف ذلك..؟ ألم تستفد من الدعم الذي خصصته الدولة لمن هم أمثالك في وضع مزري..، أليست لك بطاقة تعريفية..، أجاب الرجل أنا لا أملك شيئا..، لا ضمان اجتماعي ولا تغطية صحية..، حتى بطاقة التعريف الوطنية الخاصة بي استوفت منذ ثلاثين سنة خلت..، بطاقة تنتمي إلى العهد القديم، العهد الذي لا يعرفه أحد سواي..
استغرب صلاح لِمَا سمع من فِيِّ الرجل-وقد استغرب من كانوا حوله أيضا-سأله عن عنوان مقر سكانه، ثم وعده بإيصال قصته إلى عموم الناس..، صلاح لم يعد يعرفه الناس كمقدم أخبار الظهيرة أو المسائية فقط..، بل صار يعرفه الناس ابن من أبناء الشعب..
الصحفي صارت كل الألسن تلهج باسمه..، صارت الصفحات الفايسبوكية تبث صوره ومقاطع مسجلة له بالصوت والصورة تؤرخ لوقائع وأحداث أظهر فيها شدته وغلظته..، تجاه من غلبت عليه اللامبالاة وطُبع على قلبه وعقله..، ومقاطع أخرى أظهر فيها حنانه وتعاطفه مع فئات محرومة أو حرمت من دريهمات كانت في أَمَسِّ الحاجة إليها..، لم تخل المقاطع أيضا من الطرفة وروح الفكاهة التي جمعت بينه وبين ضيوفه أو بين أولئك الذين أجرى معهم حوارات مختلفة في الشارع..
كل شيء أرَّخَت له صفحات مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها وتعددها.. وقبل هذا وذاك كاميرا البرنامج التي خُصِّصَت لبِّث الحدث بالصوت والصورة..، كل شيء أُرِّخَ حتى آخر لحظات الحلقة الأخيرة من أسئلة كورونا التي قال فيها صلاح: نهاية الحلقة إلى اللقاء..
تلك كانت نهاية النشرة لدى صلاح..، النشرة التي كانت تُبث على الهواء مباشرة، دون تدخل مقص المونطاج.. توقف البثُّ الذي سمع به القاصي والداني، القروي والبدوي..، لكن لم يتوقف انتشار الوباء.. لم يتوقف رغم ما بذل لأجل ذلك من جهود..، كل يوم آلاف الإصابات والموتى بالعشرات..، كل يوم حزن لا يتغير فيه شيء.. تتغير فيه الأوقات والجغرافيا والأشخاص..
غاب صلاح ولم يعد أحد يسمع عنه شيئا.. لم يعد يراه أحد في نشرة المسائية يقدم الأخبار ولا في مثل برنامجه الذي ذاع صيته..، الكل قال إنه في عطلة راحة يسترجع فيها أنفاسه..، الأنفاس لا تعود كالبرنامج الذي انتهى بثه قبل انتهاء بث وباء كورونا..، ربما كان انتهاء البث الأول ينبئ بانتهاء البث الثاني..، وقد ينتهي بث ثالث من يدري..؟
صلاح لم يسترح.. لم يذهب لقضاء العطلة في الشمال أو في الجنوب..، صلاح أنهى مهامه في الأرض..، ففي صباح يوم جمعة استيقظ الناس على هول واقعة فُجِعَ لها الجميع، صارت صفحات مواقع التواصل تبث صوره من جديد والسبب أن صلاحا مات..
كل الناس تردد مات المسكين بنوبة قلبية مباغتة..، هادم اللذات لم يمهله كي يرى بأم عينه وباء كورونا يحلق في السماء راحلا الى غير رجعة..، بعدما تمنى له ذلك يوميا زمن البث الحي..، مات ولم ينتظر لحظة وصول اللقاح الصيني الذي رأى فيه الجميع أملا يزيل ضيما عمَّرَ طويلا وحزنا خيَّم على وجوه الكثيرين..
كان ينتظر كل شيء..، إلا الموت لم يفكر فيها يوما..، الموت حطَّت رحالها عنده مخلفة ألما مُرًّا لدى كل من عرفه من زملائه ومتتبعيه..؛ المًا مريرا خلفه وراءه ليخيم الحزن على جميع أفراد أسرته بما فيهم والدته التي صارت ثكلى بفقد وحيديها من الذكور..، الوحيد الذي كان يهاتفها كل يوم لساعات طوال..، هكذا قالت، وقالت أيضا: إنه أخبرها بقدومه إليها عاجلا..، وبالفعل جاء صلاح لكن ملفوفا بكفن أبيض يخشاه الناس..، جاء داخل صندوق خشبي محملا على أكتاف الرجال..، آه على صلاح وعلى أمه وزوجته التي صارت أرملة دون سابق انذار..، وآه على ابنه الذي أضحى الآن يتيما بلا حضن يركن إليه..
كانوا يرونه على شاشات التلفاز وكلهم فخر..، يرونه وينتظرون عودته للبيت كي يقدموا له ملخص الحلقة بعدما تابعوا أدق تفاصيلها من البداية إلى أن يقول نهاية الحلقة إلى اللقاء..، وكان يقول مرة متناسيا نهاية النشرة إلى اللقاء..، العبارة التي أَلِفَ سماعها الجميع عند نهاية نشرة إخبارية..
فُجِعَ صلاح وفي نفسه شيء من حتى..، لم يمهله الموت كي يقضيه..، كان يبشر جمهوره بقرب برنامج اجتماعي آخر اختار له اسم صوتكم.. وسيكون هو منشطه..، خرجت جنازة صلاح في موكب مهيب..، شارك فيه أناس كثر.. أناس تحدوا تفشي الوباء القاتل بينهم..، أنَاس لم يأبهوا بشيء اسمه التباعد الجسدي الذي ظل صلاح يؤكد على الالتزام به في كل حلقات برنامجه..، ابتعد جسد صلاح عن أجساد الناس بما فيهم أهله..، غاب شبح صلاح لكن لم تغب روحه..
صعدت روحه إلى هناك..، هناك دار البقاء وارى جثمانه الترى، دفن جسد صلاح تحت التراب ودفن معه حلمه الذي ربما كان مليئا بالمفاجآت..، حلم خطط له لمدة من الزمن..، أعد له العدة ما استطاع لكن اجنحته كسرت فهناك مشيئة إلهية قد تقول لا إذا حان الأجل..، أجل محتوم ذاق مرارته صلاح وقبله أناس كثر..، تحدث عنهم هو بعدما ماتوا بعامل الوباء..، أو جراء الخوف أو الحزن، وقد يكون عامل الموت جوع وفقر وبرد الشارع..، تعددت الأسباب والموت واحد..، تلك كانت نهاية النشرة عند كثير من الناس الذين قضوا نحبهم بالرغم من كونهم كانوا أحرص على حياة..، وكانت نهاية نشرة صلاح التي لم ينطق بها هو ولم يترقبها منه أحد..
ابراهيم الطاهري – مدينة بني ملال
بوركت أخي ابراهيم ودامت طلتك وحفظ الله حبرك، أسأل المولى أن يديم علينا نشراتك وأن يسترنا بلطه. تحياتي