كمال العود يكتب: فرح ذابل

10 ديسمبر 2020
 
خرج فرحه ولم يعد، تسلل لقلبه القلق، تساءل مع نفسه “أين انت يا فرحي؟” لم يسعفه الزمان والمكان ليجيب نفسه، تحول بيته لخربة، تصدع جدرانه، تشقق سقفه، تكسرت أرضيته، لم يعد صالحا لسكن هانئ، أضحى شبيها ببيوت كريان سونترال، تيقن بأن فرحه غادر دون ترك رسالة الوداع، لقد طعنه من الخلف، كم طُعِنا من الخلف ونحن في عز انتصاراتنا!!!!.
انتصر شر حزنه، بسط يده على أركان بيته، أغلق الابواب والنوافد خوفا من عودة المهاجر، تساءل مجددا “هل أنت يا فرحي مهاجر أم مهجَّر؟”، حمَّل مسؤولية وضعه لمصائبه، التي قررت طرد فرحه بدون هوادة، رجا مصائبه أن يحن قلبها، لكنها تعنتت وأبت وتجبرت، استكان لذلك ولزم صمته.
بيته أضحى محجا للزوار، قادمين من كل فج عميق، يرتدون جلاليب الكآبة، الحرقة، الغمة، الولهة، الوحشة، ، يهللون بانتصار زميلهم الحزن في معركته الحامية، منهم من نصب نفسه حامي وطن الأحزان من هجومات مرتقبة لأخوات الفرح، انتقاما لطرد أخيهم وتهجيره قصرا وبدون موجب حق.
رافقته إلى السوق في بحث عن فرح جديد له، كان بحثا مضنيا ومتعبا في سوق متلاشيات الأفراح، كَمن يبحث عن إبرة في كومة قَشّ، ما زاد الطينة بلة الاسعار المتلهبة، لا مجال للمساومة أو التخفيض، نصحته باكتفاء بفرح مستعمل، فأومأ برأسه موافقا، أعجبه فرح يعود لفيلسوف شاب، فقرر أخده، رغم أنه لا يناسب محيطه، لكن الحاجة كانت أقوى، فلا يمكن أن يضمر فرحه أمام كائنات بشرية تحتضنه، لذلك كان لزاما ملء فراغ فرحه الغائب، أخد الفرح الجديد في حقيبته، وخطونا خطوات متسارعة نحو بيته، في مساء تذكر فرحه الجديد، أخرجه من حقيبته وقبله، سرعان ما اكتشف أن فرحه الجديد أقل جودة من المهجر، خيمت على سماءه خيمة الكآبة مجددا، هدم ما بقي من جدارن بيته، استوى سقفه مع أرضه، أين الملجأ؟ بين ليلة وضحاها وجد نفسه في أرض تيه، لا مسكن يأويه، يفترش الأرض للنوم، وفي أفضل الأحوال، حصيراً بسيطاً بالياً قذراً، خيوطه نسجت من حب لم يتبقي من ذكراه سوف لحظة لوعة ولهفة وحرقة…
بعد أن خبر دروب التيه وجد نفسه من مناصري الأحزان والآهات، واظب على حضور جلساتهم، استقر في قرارة نفسه اليأس، أيَّد فكرة الشكيين وشوبهاوريين…دخل آمنا لقلعة العدميين والعبثيين…
 
كمال العود -مدينة تارودانت

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :