استيقظ كعادته مفظوعا، وعلامات التعاسة تمخر جفونه المتهالكة من أتلام نومه الثمل، كيف له أن يسعد؟ وسعيد ذاك الشاب القمئ المبعثر، نثن الهيئة، ملطخ الطليعة، يناجي الليل إلى آخر رمقه، مع جموع أقرانه في السكر والعربدة والمجون، ومحاضرة اليوم الموالي تنتظره. ودع فراشه في حالة من الهرع والتأفف معلنا سخطه المعهود، لم تراوده أدنى فكرة ولو لهنيهة في ترتيب فراشه الهش المتآكل من تتابع صدمات الزمان، وتوالي جراح النكبات، تلك هي عادات سعيد اليومية مذ أن وطأت قدماه هذه الرقعة المذعرة.
فتح سعيد باب شقته متوجها صوب نقطة وقوف الحافلة، وإذا به يجد المكان مكتظا يعج بحشود العامة، والجو مشحون يعمه الصخب والفوضى، وما هي إلا لحظة من الانتظار، وإذا بالحافلة تقبل معلنة وصولها. صعد سعيد قاصدا أخر نقطة منها تفاديا للازدحام مع الأخرين، ومع انطلاق الحافلة، انطلق معها استرجاع سعيد لشريط حياته الكئيبة، وعلامات الحسرة تبدوا على محياه، مرددا بين الفينة والأخرى عبارات: أه أه أه! كم ضاع من عمرك يا سعيد؟ كم ضاع؟
لقد استجار الزمان خداعا بصديقنا، وتمادت عنه أيادي الدهر، فاضمحلت حيلته، وانتكست عزيمته، وضعفت قواه، وإذا به يجد نفسه عرضة لعلب السجائر، ورفقاء السوء…، فقد اعتاد أن يتصكع بين أحياء المدينة وشوارعها، يقضي معظم أوقاته تائها، دون أن يدرك أن محاضرة اليوم تنتظره. ذاك هو الغريب الذي انشق عن موطنه، وانسلخ من ثقافته؛ فلا بلاد الغربة رأفت بحاله، ولا بلاده رحبت بعودته.
أيوب إدريسي – مدينة تنجداد_ الراشيدية
اترك تعليقا