مع اجتياح كوفيد تسعة عشر للعالم، أغلقت المدراس و المحاظر و كل الأماكن التي تكتظ عادة بالمارة .
لا أنسى ذلك اليوم الذي تم إعلامنا فيه بقرب موعد إغلاق الحدود بين ولايات وطني الحبيب، عندها كان لزاما علينا شد الرحال انتقالا إلى مكان حيث يقطن جدي العزيز ، مكان فيه غراس بسمتي حين أنتشي فرحَّا ، مكان حيث ينابيع المحبة و السلام -الحسي و المعنوي- مكان حيث الأهل و ما أشد فرحتي بهذا الخبر ، مكان حيث الأهل و ما أشد وقعها كلمة عليَّ ، و أخيرا وجدت الفرصة سانحة للقاء من لهم بالقلب مكانة يعجز عن وصفها اللسان، أهديكم كلماتي أهل تلك الديار الحبيبة، أهديكم دفء عباراتي فلا أعلم حقا إن كنت أهدي الكلمات إليكم أم أهديها إياكم.
نعم إنه يوم ٢٧/٠٣/٢٠٢٠ ، قطعنا ٥٠ كيلومترا من العاصمة اتجاه “الفتح” ،المكان الذي تفصله ست كيلومترات عن موطني الحبيب .
قد أكون لم أقطع سوى المسافة بين العاصمة و الفتح لكن روحي قطعت ما هو أبعد من ذلك بل رفرفت فوق سماء تلك الديار الحبيبة “تنواكديل” التي لطالما تمنيت القدوم إليها منذ نعومة أظافري و حتى اليوم .
إنه يوم الأحد، أنا الآن في مكان حيث تجمع روحي أشتات نفسها، ماهي إلا لحظات حتى بدأ الأهل بالتوافد علينا و ما أعظمه شعور ، حنين و شوق إليكم تخلل عظمي قبل فترة طويلة و أمل شاسع في اللقاء خالط و دمي و سكن لغتي .
شعور بالانتماء يفرض ابتسامتي كلما مررت بأحد شوارع تلك الديار المقدسة ، أسلِّم عليهم و أرجع بجسدي تاركة روحي هناك ، سعادة كبيرة سكنت خلدي في كل يوم مرَّ عليَّ بينكم يا من حظيتم بحبِّ بِلوْريٍّ يقرع الأبواب داخلي أجراسه دائما .
كل مساء أجلس فيه رفقتكن غرب المسكن -يا من يستحيل نسيانهن- نفترش حصير التراب متبادلات الحوار لحظات لا تعوض ، و كل ساعة أمضيتها معكن تكون كالدقيقة سرعة ، أستنشق أنا عبير هواك و رحيق ترابك أيها الموطن الؤلؤلي الذي فرقتني-جسدا لا روحا- عنك بضع كيلومترات منذ زمن ،أنظر بعيدا اتجاه قرية المحبة و العز “تنواكديل” متمنية زيارتها ، اتجاه القرية التي كتب لها السلام و الأمان ، اتجاه قرية مليئة بأنفس يشع بريق نقائها، اتجاه قرية طغى جمال و نقاء الماكثين فيها على جمال طبيعتها الخلابة -و يكفي أنها اتخِذت مكانا لحفظ القرآن الكريم و تدريس متونه- أتفكر في خلق الله و أناجيه راجية دوامهم .
أجدني عاجزة كلما بدأت في وصف مكانتهم و المحبة التي أكنها لهم عندي ، متخذة الصمت أبلغ لغة لذلك .
مرت الأيام -التي ليست كالأيام- بسرعة و كما هو حال الدنيا لكل أمر نهاية ، إنه وقت “الرحيل” .
حان وقت الوداع فكيف حالك ترى يا قلب؟
اللحظات الأخيرة تقرع باب قلبي و تكاد تخلعه من شدة القرع .
حان الوقت لآخذ شهيقا و زفيرا و أعلن ترحيبي بقضاء الله و مشيئته، أراقب عقارب الساعة التي تلسعني كلما تحركت بثانية .
إنه يوم ٠٢/٠٩/٢٠٢٠ -آخر يوم معكم يا أنا- أتيتم من قريب و بعيد لتودعونا يا مصابيح فؤادي ، ولعل التلفظ بعبارات الوداع أهون من ذاك الشعور الحارق لحظة بقائي بمفردي .
رحلت و أصبح مكان سكننا كأن لم يكن ، سبحانك الله كم عجيبة هي الدنيا ،تأملي لمساكنكم الخالدة في نفسي من نافذة السيارة يبعث حزنا و حرقة قلب أعجز عن وصفها .
فما بمقدروي قول سوى أن أسعد لحظات عمري هي تلك التي أمضيتها معكم ، أستودعكم الله على أمل اللقاء ثانية .
سلام عليكم يا أول المواطن، سلام عليكم يا نجوم سمائي السرمدية .
أنتم وطن و أنا بدونكم غربة .
ربيعة صلاحي – مغرب الثقافة
متاكد انقول كون حفظك الله ورعاك
ولاعاكبتك مع ترجعيله مرة اخره
جميل جدا بارك الله فيك