كمال العود يكتب: طفلة بائسة

2 أكتوبر 2020
 
 
بينما كنت أرتشف فنجان قهوة مسائية، واداعب هاتفي بحثا عن تفاصيل جديدة لقضية طفلة زاكورة التي عثر عليها جثة متحللة، فجأة تقف أمامي امرأة اربعينية، لا زال وجهها يحمل علامة نعيم فُقِدَ في وقت قريب، تحمل في يمينها طفلة، آية من الجمال، شعرها حريري أسود لكن تغير حاله ولونه لقلة نقاوته، جُمِعَ في ظفيرة طويلة، عينين جاحظتين بسبب الجوع، إرْتَسَم على خدها الايسر جرح بسيط، دليل على خوضها لمعركة مع طفلة أخرى في عمرها، ابتسامة مشرقة تنسجم مع ملامحها البريئة حتى في حالتها المنطفئة، ترتدي تنورة ممزقة قرب رُكْبَتَيْها، حالها أدمع قلبي وليس لي ولها حول ولا قوة، بأي ذنب عذبت؟ نالت نصيب القسوة في فترة مبكرة، وتسألت أي شقوة بعدها؟ كيف سيكون حالها عندما تبلغ المراهقة والشباب؟ ستضيع في غابة موحشة تتسيدها ذئاب بشرية متلهفة للحم “ببلاش” كما قال أهل مصر، ظلم اجتماعي لا مفر منه، ولا مغير له، إلا إذا تدخلت القدرة الالهية وغيرت منحى عيش هذه الأسرة الصغيرة، فأمها لن تسلم من كائنات متوحشة ومفترسة، ستخضع لا محالة لمساومة وترغيب، قد تذعن لذلك مؤمنة بضيق الحال، وقد تترفع عنه واضعة نصب عينيها “الشرف”.
عيني لم تفارقها حتى غادرت المقهى وفي يديها بضع دريهمات تكفي لشراء حليب وخبز، وصمت مطبق على سحنتها، تذعن لمصيرها البائس.
لقد صادَفتُ غير ما مرّة مثل هذه الحالة في مقهى من مقاهي هوارة، تجوبُ الأزقة والمقاهي بحثا عن كسرة خبز بعد أن تقطعت بها الأسباب وضاقت بها السبل.
 
كمال العود – مدينة تارودانت
فاعل جمعوي، مهتم بالقضايا التربوية، الثقافية، والاجتماعية، والأدبية، والحقوقية…

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :