إلى جانب الواد، كانت هناك قرية، ليست قرية قائمة بل أطلال قرية، كانت فيما سبق تدب بالحياة، قَامَت بيوتها الطينية والحجرية وسط فجيج من المرتفعات، كان لي حنين غريب يجذبني لها في عطلة اسبوعية أو وسط الاسبوع، في مرات أترك مشاغلي والتجئ اليها، لا عِلْم لي بسبب حنيني الجارف لها، قرأت مرة بأن الخلوة علاجا روحيا، ربما تكون علاجا لكن في أحيان تدخلك في شك وريب فيما أنت عليه من معتقدات وأحلام.
قرية لا زالت تحتفظ بالخضرة ومساحات من الاراضي الخصبة الزراعية وغابة من شجرة الزيتون واللوز وواحات من الاعشاب العطرية.
على مشارف القرية تستقبلني رائحة الماء الراكد في برك متفرقة من واد، نمت بجانبها ورود واعشاب مختلفة الألوان، ونباح كلب يعرف جيدا انني غريب عن القرية المهجورة.
القرية ظلت محرومة من طريق معبدة وجسر معلق يسهل عملية تنقل منها وإليها، وبقيت محرومة من الكهرباء والماء الصالح للشرب، رغم ان القرى القريبة منها تمتعت بربط انابيب الماء واسلاك الانارة.
بعد مغادرة ساكنتها تهاوت المباني الطينية رغم صمود جدرانها أمام تكالب الطبيعة عليها، لكن صمدت لتؤرخ لمجد قرية كانت عامرة لوقت قريب، كدَّ اهلها بجد في واحاتهم او ما يطلق عليه محليا “جنان/اكران”، كانت مصدر رزقهم وتعففهم، رسموا طريقهم البسيطة، ففرط جيل بعد جيلهم في طريقة عيشهم التقليدية، فهاجروا مثنى، وثلاث، ورباع ليتركوا الجدران تنعم بهدير الرياح، وتتمتع بهدوء الليل وتوالي الأيام.
لا ادري ما سر ولعي بالخربة؟
لكن ما اعلمه ولا يتسلل ريب بين يديه أو من خلفه، هو تلك الراحة التي تستقبلها ذاتي أثناء صعودي في فجاج الخربة، أرمي همومي ومشاغلي ومواعيد عملي، وأدخل في حوار مع ذاتي تنتهي برمي أهاتي واوجاعي، فأدخل معها في مرحلة شك في جدوى الاجتماع الانساني، داخله اعاني (وتعانون) من منغسات تفسد علي عيش في سلام مع عقلي وجسدي.
تعلقت بالخربة لأنها أمينة ومستمعة جيدة، ثقتي لم تخب فيها، فهي لم تبح بسري لأحد، فبكيت مرغما على عتباتها، فتأملت غدر الزمان وخيبة أمل وشقاء الحياة.
غادرت الخربة إلى أجل غير مسمى ولكني لا زلت احن اليها ولمُنَجَاتِها فهي تستقبلني بأدرع مفتوحة وعلى محياها ابتسامة عريضة، لا تشتكي مني ومن همومي بل تَسْعَدْ بتفريج كربي وتغيير حالي.
احن اليك، اشتاق اليك، وانا متأسف على تركها لوحدك…
كمال العود-مدينة تارودانت
فاعل جمعوي، مهتم بالقضايا التربوية، الثقافية، والاجتماعية، والأدبية، والحقوقية…
اترك تعليقا