أحمد شعبان يكتب: الأسير

16 سبتمبر 2020
 
دخلت المحكمة بلباس تقليدي جلابة في اللون الاسود ووشاح أبيض كانت تبدو كملاك داخل قاعة المحكمة، كان الكل ينتظر دخول القاضي كي تبدأ الجلسة وتنتهي حكاية عبد الرحمان مع ليلى.
بوجه مال إلى السواد وعينين تحيط بهما التجاعيد كأنه في الخمسينات من عمره، كان عبد الرحمان في الصف الامامي ينتظر بداية نهاية حكايته مع ليلى.
 
مرت نص ساعة لم يدخل القاضي بعد، إلتفت إلى الصف المقابل الذي كانت تجلس فيه ليلي، تذكر قاموس المودة الذي كان يجمع بينهما وتساءل ما الذي غير مجرى المودة لتغدو عداوة لابد من قاض يحل خيوطها المتشابكة. بينما لا يزال ينظر تجاهلها دخل قاضي المحكمة في زيه المألوف وهو يرفع كتفاه بين الحين والآخر ليفرض هيبته المعهودة بين الحضور .
 
بدأ القاضي المعروف بين الناس بجديته يتابع الملفات بعينيه الجاحظتين، كانت عيناه تمران بسرعة ويداه تقلب الأوراق كمن يطالع رواية لم تأسر عواطفه من الوهلة الأولى.
بعد لحظات وقف الجميع مرة أخرى إحتراما لهذا الفضاء التي يحكم بالعدل ويحكم للمظلوم ويعاقب الظالم.
 
تقول ليلى؛ كنت خائفة من البوح والحديث عن خصوصاتي، كنت حزينة في دخيلتي لكن ما العمل بعد أن خسرت كل شيء؟
نطق القاضي أخيرا، “ليلى باتولي، تقدمي إلى منصة الشهود.
 
بهدوء وبنبرة القاضي البحة قمت من معقدي وبدأت أحكي التفاصيل.
ليلي باتولي إسمي خريجة معهد الاعلام والاتصال بالرباط،
 
قاطعها القاضي بغضب مرددا ” لالة حنا ماشي فمبارة حنا ماشي لجنة دخلي في الموضوع”
 
اسفة، كنت على علاقة مع عبد الرحمان نحب بعضنا البعض، لكن في ليلة يوم السبت في حي القامرة سنة 2010 حدث ما حدث.
القاضي بمطرقته يقاطع الحضور، ” ناس لي تتنهدر لاخر مرة هادي محكمة ماشي سويقة” ثم قال بسرعة ومودة هذه المرة ” اوا شنو وقع بنتي”
 
غلبتني دموعي لككني عزمت على قول كل شيء، كان عبد الرحمان يقطن في حي القامرة قرب إقامة الصباح دخلت معه مقر سكناه الذي اعتدنا أن نلتقي فيه، كان يشاركه السكن رجل اسمه سعيد وشاب يدعى أنس، دخلت كالعادة جلسنا نص ساعة تبادلنا القبل وعانقنا بعضنا البعض وبعدها خلعنا ملابسنا بشكل آلى بحكم علاقتنا الطويلة، بدأ يمر على كل نقطة في جسدي باصابعه وشفتيه لم استطع ان قاوم ولم أعد أعي الكلمات التي كانت تخرج من فمي بعدها.
 
قال عبد الرحمان في نفسه؛ كاذبة ألم تكوني أنت يا ليلى التي بادرت إلى معانقتي وتقبيلي، ألا يسعك ان تخبري القاضي أنها المرة ما بعد الخمسين من لقائنا في المنزل وحدنا نمارس فيها الجنس بكل حب، ما الذي تغير هذه المرة؟
ليلي :
سيدي القاضي هذا كل ما حصل بعدها اكتشفت أنني حامل لكنه لا يرغب في الزواج رغب اعترافه بطفله الذي أحمله بين أضلعي.
 
نظرت تجاهها، لم أصدق أنها ليلى التي أمضيت معها سنتين من عمري، ليلى ذات العينين سوداوين وشعرها الحريري المسدول، وضع القاضي يده اليمنى على خده وهو ينظر تجاهي يرمقني بنظرات تنذر بسقوط أقسى العقوبات، أحسست انه يترقب خطا واحدا مني كي يصب غضبه الذي لم يعد قادرا على إخفائه.
 
قال القاضي الذي ذكرتني هيئته بشخصية محمد الفرسيوي في “رواية القوس والفراشة”.
أهذا اخر الكلام يا ليلى تخبرين به المحكمة؟!
 
التفت تجاهي بوجه مخطوف، حاولت التعرف على ملامحها التي اختفت كنت أنظر إلى فتاة غير التي أحببت، رحت أدقق مليا فلم أجد سوى جسد أنثى تحاول أن تغير خطابها التحرري الذي تعصف به في وجهي دائما ونعتي بصاحب تفكير “ناس زمان”.
 
حاولت مجددا التسلل خلف كل هذه التفاصيل كي أرى حبيبتي ليلى، فلم أجد سوى أنثى غيرت جلدها المزخرف بجلد آخر كانت تمقته. اين نحن الان من التحرر؟
اين المساواة بين الجنسين؟
 
لماذا لم تخبري القاضي أن الخيار كان خيارك، انت من أراد طفلا مني، أنت من أقمست أن هذا الخيار خيارك أنت، أتذكرين أنك في تلك الليلة قلت أنك مستعدة لتحمل كل ما سيحدث.
ما الذي تغير اليوم حتى أجد نفسي متهم وسط المحكمة؟!
 
ألم تكن خلافاتنا دائما حول المساواة بين الرجل والمرأة، ها انت اليوم بعمل محترم وأنا لازلت أنتظر فرصة فهذه الحياة.
سيدي القاضي أنا لست مذنبا، أنا ضحية فتاة عصرية تنادي بالتحرر، هي التي أرغمتني على ما حصل هي التي اختارت يبحب وبقناعة. أطالب المحكمة أن تحملها مسؤولية العناية بهذا الجنين صحيا ونفسيا واقتصاديا، وبرد الاعتبار لكرامتي وتحقيق المساواة التي ينادي بها المجتمع وإلا سنعيد الخطأ الازلي من جديد.
 
 
أحمد شعبان – مدينة جرسيف

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :