زينب جليد تكتب: زوجة زوجي

29 أغسطس 2020
 
-نظرة ألم علت وجهها وهي تنظر للخارج أضفت على انعكاس صورتها في الزجاج شجن وأنين.. رمت الشمس أشعتها واخترقت السحب المتفرقة في محاولة بائسة لتطهيرها. وبدا لها وكأنها في رحلة إلى اللانهاية وأن هذه الحافلة لن تقف أبداً.
 
اعتدال الجو رغم شمسه الساطعة ومشهد السحب المتلألئة أثار في نفسها دفئ افتقدته من سنين. أغمضت عيناها وسرحت بخيالها تتذكر أيامها ومكان أطلالها. ليالٍ مضت في غرفة صباها تقرأ كل ماتيسر من الكتب والروايات باختلافها، حيث تتركها تحلم بمستقبل يشبه خيال مؤلفيها بحبيب يملأها، يحتويها في جمحات الجنون، يغمرها بكل ما يملك من حب وأمان.
 
كم كان ماجد جميلاً في شهر العسل، وفي أيامهما الأولى من الزواج، عيناه العسليتان وشعره الأسود يحدد ملامح بشرته البيضاء. لم ترى رجلاً بهذا البهاء من قبل فقد كانت ضفائرها لاتزال تزينها، بل لم ترى حينها رجلا آخر في الوجود غيره، وكان هو الغاية الوحيدة. يضمها إلى صدره وتتداخل الضلوع؛ نبض قلبه بجانب قلبها يصب فيه الحياة وخيل لها أنهما أصبحا جسداً واحدا قبل أن يغمد فيها بذرته؛ فتضرب الجذور في أحشائها تنمو، تتشكل وتصبح زهرة عمرها. لكن لم يتركها القدر حتى تفرح وتسر بها، بحملها وبتقبيلها. يوم خطفها القدر من أحشائها قبل أن تخطف نظرة واحدة فيها، يوم كانت جالسة تتلو ما تيسر من القرآن، حين قاطعها جرس الباب معلناً قدوم أحد ما!
ظناً منها أن رجل بيتها من أتى، زوجها ووالد من تحمله في أحشائها.
فتحت لتتفاجئ بإمرأة غريبة عنها!
سألتها مستفسرة عن هويتها لتجيبها باستهزاز:
_أنا زوجة زوجك يا عزيزتي!
_ماهذا الهراء الذي تتفوهين به سيدتي؟!!.
تعالت ضحكاتها وهي ترد:
_نعم، كما سمعت بالضبط أنا زوجته؛ ربما أنا الثالثة أو الثانية. عموماً أنت الأولى سيدتي اطمئني!
_أأنت، زوجة زوجي!!
قالتها بصدمة كبيرة.
 
لم تصدق الكلمات السامة التي ألقتها عليها هذه السيدة الغريبة عنها، بدت وكأن الأرض خفت توازنها وماعادت بإستطاعتها حملها. كسر شرودها دفعة تلقتها على كتفها من الواقفة أمامها متخطية إياها إلى الداخل، وبدأت تتأمل البيت من الداخل كصاحب الإيجار أتى ليهددإأما باستلام أجره، أو بإخلاء بيته.
كُسرَ صمت عم المنزل وجو مشحون صوت الزوج المصون ذو القناع الصالح، قائلاً بتوتر:
_أنت ماذا تفعلين هنا؟!
لتلتفت إليه وبابتسامة عريضة ردت موجهة كلامها لمن تكسرت أحلامها:
_عزيزتي زوجنا أتى… لتلتفت إليه وتستكمل؛ ألم يروق لك رؤيتي هنا في بيت زوجتك الأولى، أتيت لأتعرف على حبيبتك الأولى.
_هيا غادري. قالها بعصبية مستدركاً العاصفة التي كتبت عليه اليوم.
 
بعدما غادرت، باشر في كلامه مبررا، أعذاراً أقبح من زلة. وهو ينظر لها وهي لا تنطق كلمة. تاركةً دموعها تجيب وتلوم عوضاً عنها. تلومه عن أمانتها وخيانتها وغدرها وطعنها. فما كانت تخلو من الجمال شيئاً ولا من الدين والصبر شيئاً، كانت مثالية وليست كاملة فالكمال لله عز وجل. بعد هنيهة أردف قائلاً:
_ألن تقولي شيئاً؟!!.
ولم يأتيه رد سوى صفعة قوية تلقاه رداً على كل شيء، وعلى أقل شيء إهانتها من امرأة لا تعرفها وخيانة ثقتها.
 
عم الصمت وهمَّ هو خارجاً، حتى سمع صوت وقع شيء ما؛ ليستدير ويراها ملقاة على الأرض.
ذهب مسرعاً بها نحو المستشفى داعياً الله أن تكون بخير هي وجنينها. هذا الأخير الذي طالما تمناه وتزوج بعدها أخريات لتصبح هي بعد أعوام من حملته في بطنها. كان يعلم جيدا أنها لم تستحق منه ذلك. وفي المستشفى وهو ينتظر خروج الطبيبة من فحصها لها. تذكر يوم كانت جالسة تتلو القرآن، وجاء ليفاتحها في موضوع أن تكون له امرأة أخرى؛ وبما أنها تعرف بينها وبين خالقها جيداً، فيجب ألا تعارض مادام ذلك مذكور في كتاب الرحمان. وأنها سنة للرجال… تأملته جيداً ولم تقم بإغلاق كتاب الله؛ لتردف:
_سأقول لك شيء وكلمات الله شاهدة، وهو سميع عليم. ولو في كتابه يحق لك مثنى وثلاث ورباع، إلا أنه لا توجد امرأة في هذا العالم، تقبل أن تتشارك زوجها مع أخرى غيرها في أي شيء كان. وإن حدث وفكرت في هذا الأمر وعزمت عليه فلتخبرني.
تفاجأ من كلامها لحظتها، ليسألها لماذا عليه إخبارها.
لترد بابتسامة:
_حينها سأغادر حياتك دون مشاكل، وذلك أفضل من أن تقوم بشيء أعتبره خيانة وغدر لبيتنا هذا.
لمح بريق في عينها لرهفة أحاسيسها، تماسكت كي لا تنساب دموعاً على خديها. ليردف منقذا للوضع بوعد قاطع أنه لن يفعل شيئا يخيب ظنها به.
أعاده من تفكيره، صوت الطبيبة وهي تنادي باسمه؛ ليقوم مسرعاً مستفسراً عن حالة زوجته وصحة جنينها.
لتردف الطبيبة بأسف شديد:
_مع أسفي الشديد سيد ماجد، زوجتك فقدت الجنين وذلك بسبب صدمة كبيرة تلقتها.
وإن لم يكن إلا أنها غادرت المستشفى، بعدما تركت له رسالة تخبره بأنها تطلب فراقه للأبد. كما فارقت روحها جسدها، وكما أخذ سعادتها وشوقها لرؤية طفلها بين يديها.
 
أعادت ذاكرتها من الأحداث التي شهدتها فجأة، كحلم مرعب، لم تصدق رؤيته لكنه كان حقيقة محتومة كتبت عليها، لتتساءل أين أصبح ذاك الحب؟
ألم يكن حبا؟
أم كانت حالة من إنبهار الشباب. اختفت لهفة اللقاء وصراعات الأيام، ونحتت الشهور والمواقف قناعه يوماً تلو الآخر. وأصبحت لا ترى إلا وجهه الذميم الذي تراءى خلف نزواته وخياناته العديدة. لقد كانت له نعم الزوجة والحبيبة والأم وبرغم تحذيرات الكل لها، لم تكن ترى فيه أي عيوب. لم يمر بخيالها يوماً أن يكون خائناً، كاذباً وماكراً!
 
سبحان الله فقد وهب للأنثى قدرة أكبر من الذكر على قراءة الإنفعالات والأحاسيس، وهي كانت تشك لكن تستعيذ بالله وتطرد شكوكها بعيدة عنها، وياليتها مافعلت. من أكبر الموبقات التي يقترفها الضالون من البشر هي الخيانة، ومن ضمن أنواع الخيانة المتعددة هي الخيانة الزوجية، ومنها خيانة الزوج لزوجته.
توقفت الحافلة معلنة الوصول، نزلت لتجده أمامها. نظرت له في وجوم لينطق معتذراً، متعثراً بين حروفه. لتلقي بقنينة زجاج كانت تحملها، متكسرة إلى قطع صغيرة؛ قائلة:
_هل بإمكانك إصلاح هذه، هل بإمكانك إلمام هذا الزجاج وإعادة صنعه؟!
هكذا أنت كَسَّرت قلب صغيرتك، وسلبت منها صغيرتها.
ألقت كلماتها وغادرته للأبد!
 
زينب جليد – مدينة تارودانت

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

2 comments on “زينب جليد تكتب: زوجة زوجي

  1. Abdellah ibarrahen أغسطس 30, 2020

    ما ابشع الخيانة يا زينب

    ههه لكن الرضى بالشرع امر يزيد المرأة رونقا وبهاء

  2. Abdellatif zta أغسطس 31, 2020

    رائع، قصة متكاملة تفتح عينا على واقع اجتماعي مر. موفقة زينب مزيدا من التألق والازدهار.

: / :