عبد اللطيف ضمير يكتب: البطل الإشكالي وسلطة التحول في روايات طارق بكاري

22 أغسطس 2020

في البداية وجب التنويه بالأعمال الروائية للكاتب المغربي طارق بكاري، من”نوميديا”، وإلى روايتي “مرايا الجنرال” و”القاتل الأشقر”، وأعتقد أن الكاتب بدأ في رسم خارطة مشروعه الروائي، مستغلا التاريخ و الأسطورة، ثم الهوية والبحث عن الذات، في كتاباته التي باتت تحصد الآلاف القراء من المغاربة والعرب، ففي الرويات الثلاثة يظل البطل الإشكالي في ديمومة مستمرة للبحث عن ذاته وهويته، انطلاقا من المجتمع الذي يعيش فيه، حيث أن شخصيات رواياته تنطلق من العدم، من المجهول ثم يحصل أن تحصل على كم هائل من الأفكار والخطابات، فتتحول من شخصية عادية بسيطة إلى أخرى ثورية، لكن هذا التحول يكون سلبيا ويؤثر بشكل سلبي على المجتمع، وكأن الكاتب من خلال رواياته يريد أن يغير من نظرة المجتمع إلى الإنسان، وأن يجعل من المجتمع مدرسة للإصلاح وليس مكانا لتفريخ القتلة والمجرمين، ثم المتطرفين وغيرهم.

فمراد الوعل في رواية “نوميديا” ما كان ليتجرد من المشاعر والإنسانية ويتخلى عن عشيقته لو لم يعش ظروفا صعبة في طفولته، وكذلك القاتل الأشقر الذي تحول من طفل صغير بسيط لا يقدر على فعل أي شيء، إلى إنسان يبحث عن القتل ويتلذذ به، يقاتل من أجل لا شيء أو من أجل فكرة لا يعرف مغزاها وخلفياتها، وكذلك الجنرال قاسم في رواية “مرايا الجنرال” الذي تم اخصاءه من قبل فرنسا ومارس سلطة القهر والقمع والظلم، على بني جلدته من المغاربة في منطقة “ليكسوس”، فالإنسان يتحول من حالة إلى أخرى نتيجة المعاملة التي يحصل عليها في مجتمعه، والأفكار التي تسرب له، ولا يدرك فحواها ومضمونها إلا بعد حدوث الكارثة.

ورواية “نوميديا” هذه، وهي أول أعمال الكاتب طارق بكاري، والصادرة عن دار الآداب بلبنان سنة 2016، لا تختلف كثيرا عن روايته الأخيرة “القاتل الأشقر”، وقد نجزم أنهما متشابهتين إلى حد بعيد، وذلك لكون البطل الإشكالي فيهما ينطلق من العدم، مجهول الهوية ثم يبدأ في تكوين هوية جديدة انطلاقا مما عاشه واكتسبه داخل المجتمع الذي وجد فيه، وما يجعلهما أكثر تشابها من حيث المضمون نوعا ما، هي بداية البطل الذي أعد ليكون “لقيطا”، وهذه الصفة منبوذة في المجتمع المغربي وخاصة المحافظ منه، في البوادي والأرياف والمداشر، فهذه الكلمة (لقيط) تتحول كلما كبر الطفل إلى قنبلة موقوتة تكاد تنفجر في أي لحظة، لأن الشخص الذي يوصف بها سيحاول الرد بعنف أكبر على المجتمع الذي ينعته بها كل مرة.
فالشخص الذي ولد لقيطا، أو عاش في كنف الدعارة لن تنتظر منه أن يكون مصلح المجتمع، أو أن يكون فاعلا فيه بشكل إيجابي، ليس لعدم توفره على القدرات العقلية والجسدية، ولكن لأن المجتمع بنظرته هاته يصنع منه مجرم ومنحرف، والفرق بين بطل نوميديا والقاتل الأشقر، أن الأول صنع نجاحا لنفسه بالرغم من الظروف الصعبة التي كان يمر بها، وساعده في ذلك الأستاذ الذي حال بينه وبين التشرد في الشوارع، بعدما تكفل به حتى إكمال دراسته، وأصبح أستاذا جامعيا، لكنه وبالرغم من هذا الإنفراج إلا أنه داخليا لا يحس بالسلام العاطفي والروحي، فيعيش تقلبات هي التي ساهمت أيضا في تأزمه من جديد بعدما تم بيع ملفه للكاتبة الفرنسية “جوليا”، من قبل طبيبه، إلا أن هذه الشخصية محور الرواية فيها قوة وإرادة وحب رغم قساوة الحياة، حتى استسلام البطل لكل ما يحدث له فيه صمود كالجبل، خاصة فيما يتعلق بموضوع الرفض الذي واجهه من الجميع منذ الطفولة.
في حين أن الأشقر في رواية “القاتل الأشقر”، الصادرة عن دار الآداب سنة 2018، الذي ولد من العدم، نتيجة لغياب الأب الحامي لكيان الأسرة، وجد أمامه واقع متأزم فرض عليه أن يعيش فيه ويتعايش معه، في ماخور الدعارة، لا شيء مثالي كل ما يدور من حوله وأمام عيناه يزيده تأزما، لم يجد الفضاء المناسب الذي سيحويه ويقيه شر الأفكار التي تتراقص في ذهنه، وهي أفكار متمردة سلبية تدعوه إلى التمرد والثورة على الواقع، لقد واجه الفشل في كل خطوة، فشل في أن يكون شابا مثاليا يعيش في كنف أسرة مستقرة، ثم فشل في إبعاد أمه من الدعارة، كما فشل أيضا في وضع حد لحياتها، وغابت عنه كل القوى الفاعلة والمساعدة، التي قد تنتشله من الضياع والتطرف، فأمه غارقة في المجون والليالي الحمراء وكذلك الفتاة التي أحبها، ثم الخيانة التي تعرض لها، وما كان يعيشه من صراعات في علاقته بمحيطه ومجتمعه، وما تحوله إلى مقاتل في صفوف تنظيم القاعدة في بلاد الشام (داعش) إلا ردة فعل نتيجة فعل المجتمع تجاهه، وقد اشتركا كل من الأشقر ومراد الوعل في القتل معا، مع فارق بسيط في كون القاتل الأشقر قتل الكثير من الناس أثناء الحروب التي خاضها، فيما مراد الوعل قتل الحب الذي جمعه بحبيبته خولة والجنين الذي كانت تحمله في بطنها.

ولا يختلف بطل رواية “مرايا الجنرال”، الصادرة هي الأخرى عن دار الآداب بلبنان سنة 2017، عن الأبطال الثلاث كثيرا، فالبرغم من امتلاكه للسطلة إلا أننا لا نعرف أصله وحياة طفولته وما عاشه، كل ما وصلنا أنه عديم الرحمة، محب للسلطة والتسلط، أعد مسبقا وفقا لما تعلمه في فرنسا ليحكم منطقة “ليكسوس”، بالحديد والنار، لكنه سيعيش الكثير من التناقضات والصراعات مع شخصيات الرواية، فيصيبه الفشل في الحب، ويصبح ضحية للآخرين، فيبدأ بسرد ذكرياته السابقة على الطبيبة النفسية الشابة ليلى، هو القادم من فرنسا إلى ليكسوس المغربية لتسلم مهامه كحاكم جديد لها بعد تقاعد سلفه الملقب بالمير، ليلقي القدر في طريقه بجواهر، العاشقة التي تهيم حبا بسيمون، اليهودي المتشبع حتى النخاع بالمبادئ الماركسية المنادية بالثورة على الأوضاع المتردية ومواجهة ظلم وتجبر النظام، فكان هذا القدر بمثابة الشرارة لاندلاع حرب من نوع خاص، تتداخل فيها متاهات السياسة مع الاضطرابات النفسية العنيفة ومشاعر الحب المتوقدة وقيود الشهوانية المدمرة.

عبد اللطيف ضمير – مدينة الجديدة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :