الترجمة نشاط إنسانيا ظهر قديما لنقل جواهر العلم من لغة المصدر إلى لغة الهذف ،من أجل التواصل والتعارف بين الشعوب والأمم ،ومن ثم فالترجمة عملية لغوية ،ونشاط سوسيو ثقافي على حد سواء ،يفرض على المترجم إمتلاك القدرة اللغوية من ناحية ،والإحاطة الوافية بالبنى الثقافية لنصوص المزعمة ترجمتها من ناحية أخرى.
ذلك أن التنقل من لغة إلى لغة ليس إنعكاسا أليا ثابتا،يفصل في جوهر الحقيقة دون تفاوض ،وإنما هو حركي يتغير بتغيير الحقيقة اللغوية الوثيقة الصلة بالهوية الثقافية لمجتمع ما ،وبمعتقداته الدينية.
ولم يزل التواصل الثقافي ،وسيظل مرتبطا بالترجمة ،ومتوقفا عليها إلى حد كبير ،وعلى كل هذا فإن كل تخلف على صعيد الترجمة يعني بالضرورة تأخر على الصعيد التواصل الثقافي،فهذا يؤدي إلى حرمان المجتمع من فرص الإطلاع على الثقافات الأخرى .
وفي سبيل تغير الصورة النمطية خلال عملية الترجمة إلى الأخر يجب الإهتمام بدراسة مايجب ترجمته للأخر وتحديده جيدا ،وفق مفاهيم الصورة النمطية السائدة ،فيصبح إعتبار عملية الترجمة في العموم والترجمة عن الذات إلى الأخر في مجال التعريف بنفسها للأخر ،وتغيير الصورة النمطية عنده،وتقديم وجهة نظرها له ،خاصة في ظل وجود العديد من القضايا التي ترتبط بأنماط التدافع الحضاري المختلفة فكريا وسياسيا وإقتصاديا ،وكذلك إختيار مايناسبها للتعرف على الأخر عند الترجمة منه ومن يعقد البعض علاقة بين الترجمة ( من و إلى ) وبين التفوق والتقدم الحضاري عموما ،” كما يذكر أنصار الترجمة بدقيقة أن المجتمعات المتقدمة والمتفوقة في عالم اليوم وهي مجتمعات تشهد لغاتها نشاطا ترجميا كبيرا سواء كلغات الهذف الذ يترجم إليها ،أم كلغات المصدر تشهدها لغاتها نشاطات محدودة ،وإذا قورنت بتلك التي تتم في لغات المجتمعات المتقدمة وخير دليل على ذلك هي البيلوغرافيا العالمية للترجمات التي تصدر سنويا عن المنظمة الدولية التربية والثقافة والعلوم يونسكو .
وهنا لابد من تأكيد على العديد من التحارب العربية أهملت بإعتبار الترجمة في الإتجاهين بوصفهما دالة حضارية ،وإعتبرت أن الترجمة عن الأخر هي مقياس النجاح ودال التحضير وفي هذا الصدد يقول مجاب الإمام ومحمد عبد العزيز تعودنا في مايخص الترجمة أن نطرح أساسا مسألة الهوية ،الهوية اللغوية والثقافية والقومية ،وما يمكن أن تتعرض له جراء جره إلى ثقافة مغايرة وكتابته بلغة أخرى
وذلك بوصف الترجمة فعلا حضاريا ووجوديا أساسيا في عالم متشابك يعتمد على المعرفة وإتاحتها ،وعلى مواجهة الأنماط الحضارية التي تحاول فرض هيمنتها ،وذلك بأنها ليست ،نقل للمعرفة فقط ولا هي حوار الحضارات بالمعنى السطحي الذي نردده إلا وفق شروط الترجمة في إحدى أليات التمكين المجتمع ،وهي إفتناص لأفضل معارف حضارة العصر العالمية اللازمة لدعم عملية التمكين على صعيد إستراتيجي في سياق التحدي والمنافسة .
ذلك لابد أن تكون الترجمة في ظل علاقتها بالحضارات نشاطا إجتماعيا لا فرديا ،وهاذفا ومخططا وليس عفويا ،وإلا أضحت كماء مسكوب في الرمال ،ويجب أن تكون الترجمة في ظل علاقتها بالثقافة مستوفية الشروط وتكفل لبلوغ الهذف ،وأن الهذف هو مستقل دائم الحركة .
وإن لا يسعنا سوى القول بأن الترجمة يجب أن تكون طريقا في إتجاهين فلا يجب أن يغيب عن أذهننا أن دور الترجمة في الثقافة العربية ليس طريق وحيدة الإتجاه ،بل ينبغي أن يكون طريقا مؤديا بإتجهين ،من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية ،وبالعكس .
وبالإضافة أن الترجمة كانت ولاتزال خطابا تواصليا فهي رافد من راوفد البناء الحضاري ،وأدة معرفية تستمد بها الحضارة الطالعة أحد شروط قوتها من الحضارة السابقة .
ولما كانا قضايا الترجمة وإشكالاتها تقع في صلب قضايا الإتصال بين الثقافات وفهم علاقات الذات بالآخر ،فإنها وجها جديدا من أوجه الدراسات ،وتزداد أهمية هذا الحقل من الدراسات مع إنتشار الواسع لتكنولوجيا الإتصالات والمعلومات ووسائط التواصل الإجتماعي ،وإزداد الإهتمام بها مع إزدياد إسهامات الشعوب وأمم جديدة في حقل النظرية والإبداع الأدبي
وبعد كل هذا فالترجمة فعل إنساني بالدرجة الأولى تعرف بأنها قيمة مضافة إلى الرصيد كل لغة بثقافة مستقلة ، وقد أثبتت هذه الظاهرة ومازلت تثبت أن الإنسان السوي لابد من أن ينفتح على الأخرين عبر جسور التواصل ليتأثر ويأثر
محمد مدني – تالسينت فكيك
اترك تعليقا