لم تستطع الدولة العثمانية إخضاع المغرب تحت سلطة الأتراك، رغم محاولاتها المستمرة في القرن السادس عشر، لكن هذا الاستقلال لم يدم طويلا ففشل الدول العثمانية في غزو الدول العربية لم يمنع تركيا الحديثة من إعادة المحاولة من جديد، فبعد مرور خمس قرون تم إخضاع المغرب إلى جانب مجموعة من الدول العربية مرة أخرى تحت الغزو التركي الفكري من خلال المسلسلات، فقد استغلت الخلافة التركية هذه المرة كون العرب يشكلون سوق استهلاكية بامتياز، فالدول العربية عامة والمغرب خاصة قاموا بدبلجة مجموعة من الأعمال التليفزيونية المكسيكية والأمريكية والهندية، فهي تعتبر دول مستهلكة من ناحية صناعة الأعمال التلفزية فبمقارنة عدد الأعمال التلفزية المحلية لمجموعة من الدول العربية (دول الخليج، مصر، المغرب، لبنان) بنظيرتها التركية التي تبث على القنوات العربية، نجد أن ما تنتجه كل هذه الدول تنتجه تركيا وحدها وبنفس الكمية، ومما لا شك فيه وليس بالأمر البعيد أن نسمع قريبا بميلاد توليوود ككناية للسينما التركية بعد نجاح كل من هوليوود وبوليوود في كل من الولايات المتحدة الأمريكية والهند، وقد استفادت تركيا الكثير من غزوها هذا للدول العربية، حيث أنها تعرض في أعمالها مشاهد سياحية وتسوق لنموذج العيش التركي، مما أسهم في انتعاش سياحتها من خلال إقبال عدد كبير من المغاربة عليها، حيث جاء ضمن بيانات وزارة الثقافة والسياحة التركية أن عدد زوارها كمغاربة في فترة ما بين بداية سنة 2018 وأكتوبر، عرف ارتفاعا بنسبة 35 في المائة مقارنة بسنة 2017، كما أصبح الإقبال على تعلم اللغة التركية كبير جدا عند العرب بشكل عام والمغاربة بشكل خاص بحيث انتشرت له تطبيقات عديدة ودروس مصورة وأخرى رقمية على مواقع العالم الافتراضي مع انتشار الدورات ومراكز تعليم اللغة التركية في البلدان العربية بكثرة، خاصة وأن تركيا قد تحولت إلى وجهة دراسية، يقصدها العديد من الطلاب حول العالم، فعدد الطلاب المغاربة يبلغ أكثر من 2000 طالب مغربي بمختلف التخصصات في الجامعات التركية.
كما أن دبلجة هذه الأعمال التلفزيونية التركية باللهجة العامية، تهدف إلى طمس اللغة العربية الفصحى، فالمستمع يجد الدارجة المغربية جميلة بالتحسينات التي تضاف عليها في الدبلجة، فتروقه العامية المزيفة التي تعرض له على التلفاز ويسمعها كثيرا ويفهمها بشكل جيد، فيقرر حذف اللغة العربية والإلقاء بها جانبا في قارب الإهمال.
فوفقا لتقرير أصدرته مؤسسة “ماروك ميتري” لقياس نسب المشاهدة عام 2019 في قنوات القطب العمومي المغربي، حقق فيها المسلسل التركي “فضيلة وبناتها” نسبة مشاهدة بلغت 96.1 في المئة. ناهيك عن المسلسل التركي المدبلج “فرصة ثانية”، الذي بلغ 7 ملايين و339 مشاهدة، حسب التقرير ذاته.
فهذا الإقبال الكبير على مشاهدة هاته المسلسلات التي تقوم باختيار أكثر الممثلين وسامة للتمثيل فيها مع إضافة بعض الروتوشات عليهم من تزيين وماكياج وتنسيق للملابس، فتقع المشاهدات في عالم الإغراء والإعجاب للشباب الأتراك بعيونهم الخضراء وأشكالهم الجذابة ولحاهم المصففة، فقد أذهبت المسلسلات التركية عقولهن وجعلتهن صيدا سهلا لمحترفي النصب والاحتيال. ما جعلنا مؤخرا نسمع أن مجموعة من المغربيات أقدمن على دفع مبالغ مالية تقدر بخمسة ملايين سنتيم لكل واحدة في وكالات خاصة بتزويج النساء العربيات بالأتراك، بحثا عن زوج رومانسي يشبه أبطال المسلسلات التي تعرضها لهم دوزيم وإم بي سي.
أيضا فهذه المسلسلات لا تكتفي فقط بإظهار أجمل ما لديها من الممثلين والممثلات، بل تستخدمهم لإيصال مشاهد وأفكار لا أخلاقية على أنها عادية، فبعض مشاهدها تعبر عن قيم دينية لا تمت بالصلة لأحكام ديننا الإسلامي والتي يتم تمريرها في الكثير من المسلسلات قصد الاستيلاء على هويتنا، وكذا إثراء عقول المشاهدين بثقافة الغرب، كما أنها أحيانا تضم بعض العبارات المشينة و القبيحة المنبوذة اجتماعيا والخالية من قيم الوقار والاحتشام والتي بدأت تسري في مجتمعنا على أنها عادية، فالهدف من كل هذه الأشياء الربح أولا ثم إفساد أخلاق الشباب وتزيين الباطل وتقريب المنكرات ثانيا.
ولا يمكن إنكار أهمية المرأة فهي نصف المجتمع والمربية للنصف الآخر، فإما تحسنه أو تلقي به إلى الظلمات، وفي هذه المسلسلات يكون السعي وراء إفسادها وإغراءها بالنموذج الحضاري الغربي المزيف، بتشجيعها على التبرج والبحث عن الحرية المطلقة والتملص من الواجبات الأسرية والدعوة الصريحة لإقامة العلاقات المحرمة على أنها كلها أمور عادية.
وهكذا يعمل الغزو التركي من خلال أعماله التلفزية التي ينقلها لنا على نقل خزايا المجتمعات الغربية العلمانية وعريها وسقوطها الأخلاقي والديني إلى أذهان المشاهد، فإن كانت الدولة العثمانية كانت تسعى في القرون السابقة إلى جمع الدول العربية الإسلامية تحت راية الإسلام فهي الآن باسم تركيا تسعى لطمس الهوية الإسلامية.
منال الخوخ – مدينة خريبكة
اترك تعليقا