حل يوم العيد ولاحت خيوطه من بعيد، اشراقات شمس تبشر بصبح جميل، ولما لم يستطيع معها صبرا على أم، دأب لسنين طويلة على زيارتها في مثل هذه المناسبات، منذ أن اعتزلها بمعروف.
فقام من ساعته وفي غفلة من اهله، انسل خارج البيت، تأبط السجادة وارتدى الكمامة، ليعرج وهو في طريقه على المصلى أولا، لئلا يفوت عليه أجر آخر صيامه لرمضان، دون أداء صلاة العيد قبل التوجه ناحية أمه، التي لا تبتعد عنه سوى ساعة زمنية، سيرا على الاقدام.
تمة وباء قاتل، يكاد يعصف بالبشرية جمعاء، سرعان ماانتشر من أقصى الدنيا إلى أدناها، كالنار في الهشيم، أتى على الكبير والصغير ولم يترك للحكومات من خيار، في ظل انعدام أي مضاد حيوي، للحد من عدواه، سوى فرض حالة من الطوارئ على عامة الشعب، بملازمة بيوتهم اللهم للضرورة القصوى وبإذن منها.
أسرع الخطو ناحيه المصلى، التفت ذات اليمين وذات الشمال، ولا حركة تذكر، وكأن المدينة أصبحت مدينة أشباح، خالية اللهم من تحركات دؤوبة، عبر الطرقات الرئيسية، لدوريات المخزن والعسكر.
وبينما هو على هذا الحال، اذ بشخص ومن بعيد أومأ إليه، بإشارة من يده سرعان ما فهم معناها.
ضرب أخماسا بأسداس، عض على شفتيه كتأنيب للضمير، على مدى الغباوة التي طالته من حيت لا يدري، والحال أن صلاة العيد بالمصلى، يسري عليها من الحذر ما يسري، على أيتها صلاة بالمسجد.
لم يشأ أن يولي الأدبار، إلتزم جانبا من الظل، وفي الهواء الطلق، أدى على انفراد ركعتين، تيمما بالعيد، ومن تم تابع سيره، سعيا إلى صلة الرحم.
اقترب من البيت، شده الحنين لخبز أمه،لمسقط رأسه، أدار بوجهه هنا وهناك، عله يصادف أي أحد من رفاق الدرب، إلا أنه لم يحصد إلا تنهيدة فاهت من أعماقه، استحضر من خلالها براءة شبت وترعرعت هناك.
دق الباب وكأن المسكينة، استشعرت ومن بعيد بقدومه، لم تجرؤ على فتح الباب، حنحنت واكتفت بالرد عليه من وراء الباب: الله يرضى عليك…
التمس لأمه العذر، ولم يشأ أن يضعها في حرج من أمرها: عيد مبارك يا أماه وبالصحة والحج إن شاء الله…
استأذنها في الإنصراف، واستدار عائدا أدراجه من حيت أتى، يستخف الخطو عله يظفر بدفء من البنات، ومن نصيب من مائدة صباحية العيد، أعدت وعلى أقل من مهل ولساعات طويلة من الليل.
إلا أنه ما أن هم بطرق باب بيته، حتى تصدت له زوجته من خلف الباب لا لشيء، إلا خوفا على بناتها وعلى نفسها، من أيتها شبهة بالعدوى، قد تكون طرأت عليه وهو خارج البيت، ليغدو هنا وهناك، شخصا غير مرغوب فيه.
فلا أمه ولا زوجته ولا بناته ارتضوه في البيت، ولا الحكومة ارتضته خارج البيت.
وكأن الوباء يكاد تصدق عليه قولة الله تعالى:
يوم يفر المرء من أخيه وصاحبته وبنيه…
نسأل الله السلامة.
عبدالاله ماهل – مدينة الدارالبيضاء
اترك تعليقا