مشاهد لازالت عالقة في ذاكرتي..بين أحضان تلك المدينة الهادئة،تارودانت أو “رودانة” كما يلقبها البعض،قضيت بين تناياها أياما وشهورا،كنا نكتري بيتا صغيرا في حي شعبي بسيط، ضجيج يعم المكان أصوات هنا وهناك وباعة متجولون في كل مكان،حي شعبي به زقاق ضيق، منازل مصطفة ومتعانقة فيما بينها،جدرانها آيلة للسقوط بألوان باهثة، بائع سمك يزورنا كل يوم أحد يمكث بجانب أحد أسوار المدينة، قط أسود وآخر أصفر يخوضان معركة شرسة أيهما سيضفر بسمكة سقطت سهوا من البائع،قارورة أزبال بجانبها عربة يجرها حصان هزيل،صاحب العربة يفتش في المتلاشيات والأزبال عن شيء ما..أو ربما كتب رزقه هناك، حي فقير ومدينة أفقر رغم ذلك قضيت أجمل ذكرياتي هناك، أنت من مكانك قد تولع بأشياء أخرى كعشق الساحرة المستديرة أو أنثى جميلة.. لكن أنا صرت متيما بمدينة غامضة لن تفهم مغزاها إلا إذا قضيت بين أحضانها أياما بل شهورا؛ ستزورها يوما ستبدو لك عادية بأسوارها الآيلة بالسقوط وأبوابها التي لم يعد لها دور في صد الغرباء لكن صدقني إن عشت بين تناياها، إن تجولت في أزقتها المكتضة بالزوار وطيبوبة سكان المدينة الأصليين الذين لاتفارقهم الإبتسامة،عشت في مدن كثيرا لكن تارودانت كانت استثناء علمتني كيف أكون شخصا ايجابيا عاشقا للحياة محبا للنور.. مدينة ليست كالمدن..من أعرق وأقدم المدن التاريخية بالمغرب..يحيط بها سور يعتبر تالث أعظم سور في العالم.. قضيت في حضنها ستة أشهر على ما أعتقد وفي مساء كل يوم كنت أزور أحياءها بدءا من الطريق الذي يمر من المعلمة التاريخية “دار البارود” مرورا ب”فرق الحباب”و”جنان الجامع” وصولا لساحة السعديين التي تعج بعشاق الفن أو مايطلق عليه ب “الحلقة”صياح هنا وهناك حيث يثير إنتباه المارة ليشكلوا حلقة حول الذي يثقن فن التواصل والخطابة، بائع أعشاب يحاول جاهدا إقناع مرتادي الساحة؛ أن منتوجه هو الأفضل يعالج أمراضا يصعب حتى على الطب المتقدم علاجها حسب قوله وأنت كزائر لتارودانت،لابد أن تصادف في طريقك عربة خضراء اللون يجرها حصان قوي يمر بمحاذتك وضعت هذه الجياد أو العربات خصيصا لنقل السياح وتعريفهم بالمدينة وأهم مآثرها،هدوء خارج أسوار المدينة وضوضاء بداخلها، سكانها الطيبون بلكنتهم الرودانية أهل الجود والكرم، شعب حضاري أعطى ولازال يعطي دروس في القيم والأخلاق، أقسم لكم أنهم رائعون حقا لا أرمي أحدا بالورود ولامصلحة لي في التشهير بهم،نساء بدراجاتهن يجولون أزقة المدينة لقضاء أغراضهن،غالبا ماتجدني في مقهى بسيط يدعى صاحبه “عبد الله”رفقة صديق لي نحتسي كأس شاي، المحيطة ذاك الحي الأنيق الذي فضل الإقامة خارج المدينة،ربما يعشق الهدوء أكثر مني؛حديقة بها ساقية تعج بالزوار من كل حذب وصوب يتمتعون بجمال منظرها الخلاب بها أشجار باسقة جدا تلامس السحاب،متنفس لسكان المدينة ومكان رائع لأخذ صور تذكارية،تزداد المدينة جمالا ورونقا حين يشتد الضلام وتضيء مصابيع الإنارة العمومية ومعها الأضواء الممزوجة بألوان الطيف التي تظيف جمالية على المدينة تحس وكأنك في مدينة ساحلية تداعب أمواجها أقدام المصطافين؛ عالم آخر وكان صديقي على صواب حين تلفظ قائلا تارودانت نهارا لاتشبه تارودانت ليلا، ملاعب القرب ملجأ لشباب المدينة الذين يفرغون طاقاتهم وروتينهم اليومي في الركظ خلف جلدة مدورة،بجانب الملاعب يمكث عدد لابأس به من جمهور استهوته كرة القدم،عجلة ضخمة بجانبها ألعاب أطفال وطريق طويل يمر فوق قنطرة أسفلها واد نحو حي لاسطاح ذاك الفتى المذلل الغاضب والمنعزل عن أمه المدينة..وعند مغادرتك المدينة من أبوابها الخلفية ستصادف حيا سيدي بلقاس وزرايب تفصل بينها الجنانات، وحين جاء موعد الرحيل عن هذه المدينة مكرها أخاك لا بطل أحسست أنها تعانقني بشدة وتأبى مفارقتي،دموع تنهمر بشدة،وأنا أتطلع لغيوم سماء المدينة،أحسست بعمق وألم الرحيل عنها، لاسيما أني سأترك خلفي وجوها ألفتها سأشتاق لها كثيرا.
عصام أيت الفقير – مدينة ولاد تايمة
رااااااااائع
سلمت يداك عصام قلم دهبي يكتب واقع مدبنة منسية تاهت الريشة رسمها .
سلمت يداك عصام قلم دهبي يكتب واقع مدبنة منسية تاهت الريشة رسمها .