عودة إلى الوراء بثلاث سنين :،بينما كانت أمي منهمكة في إعداد مائدة الإفطار جاءني صوتها المنبعث من المطبخ بحدة وهي تنادي : “مريم … يا مريم ! فور سماعي لها نهضت مسرعة نحوها، رغم أنني كنت لا أزال أشعر بنعاس شديد. “نعم أمي ما الأمر” ؟ قلت هذا بتثاقل وتعب شديدين. انتبهت أمي إلى طريقة كلامي وأجابتني بغضب وضيق: “أيتها الكسولة ألا يتعبك النوم؟ هيا احملي حصة جدتك من الطعام واذهبي إلى منزلها بسرعة “.
انتشلت سلة الطعام بإعياء وانصرفت متجهة إلى منزل جدتي الذي كان يبعد كثيرا عن منزلنا. كنت أضطر إلى أن آخذ لجدتي حصتها من الطعام في كل أوقاته لكنني لم أمل يوما من ذلك. فأنا كنت أحبها وآلفتها جدا فمنذ أن فتحت عيني في هذه الدنيا وأنا أحظى برعايتها ،حبها وعطفا وكذلك مساعدتها لي في كل أمر صعب .
عند اقترابي من منزلها ذلك الصباح، كنت أشعر بتعب شديد ورجلي لا تقدران على حمل جسدي أكثر من ذلك، وعلى جانب الطريق لمحت شجرة ضخمة الجذوع، يسري ظلها في كل مكان ذهبت وجلست تحت أغصانها وكانت نيتي أخد قسط من الراحة لبضع دقائق فقط، فأنا لم أنته من مهمتي بعد، لكن للأسف وفي غفلة مني غلبني النعاس ونمت، والعلم لله كم من الوقت، استيقظت على أصوات العصافير القوية وأشعة الشمس المنبعثة من وسط أغصان الشجرة.
نظرت من حولي فإذا بي لم أجد سلة الطعام التي وضعتها قربي قبل أن يغلبني النعاس، نهضت في ذعر وحيرة وبدأت أفتش في جوانب الشجرة ومن ثم الطريق، ولم أجد شيئا، خفت كثيرا من توبيخ أمي لي بعد سماعها لما حصل فتوجهت مسرعة إلى بيت جدتي فهي بالتأكيد ستتفهمني ولن تفضح أمري في حين اقترابي من المنزل لمحت بعض الناس مجتمعين قرب الباب، ذهلت !! من الذي قد يأتي إلى منزل جدتي في هكذا وقت؟
لمحت بعدها أمي وهي قادمة نحوي في حزن وضيق وعيناها ممتلئتان بالدموع، أمسكت ذراعي بغضب وقالت “أين كنتِ لماذا لم تحضري إلى منزل جدتك أتعرفين كم الساعة؟ أين كنت؟ وبدأت في البكاء بمرارة أما أنا فكنت في ذهول شديد، رفعت أمي رأسها وقالت لو أنك حضرتي إلى هنا لأنقذت جدتك، آااه لو حضرت في الوقت لأمددتها بدوائها الذي عجزت عن الوصول إليه ومنعتها من الاختناق والموت ذهلت.. خفت.. فزعت وتألمت لذا سماعي لهذا منذ ذلك الحين وأنا أعاتب نفسي على ما فعلت بالرغم من أن شيئا لم يكن بيدي،لكنني لم أستطع أن أسامح نفسي إلى الآن، فجدتي لم تكن تتردد لمساعدتي، أما عندما احتاجتني أنا لم تجدني.. !! وبقيت ولا تزال هذه الذكرى الأليمة لا تفارقني إلى الآن!!.
مريم عفيف- مولاي بوعزة–
اترك تعليقا