كم أكره يوم الأحد!
رغم أن جسدي المتهالك في أمس الحاجة لبعض الراحة، إلا أني أقوم بأشغال خلال هذا اليوم تضاهي هد الجبال، وكثيرا ما ثمنيت لو أنني لم أحض بهذه العطلة الأسبوعية.
أرمي بجسدي على تلك الكنبة طالبا بعد الراحة والهدوء لكن لا شيء من هذا القبيل، فكلما حاولت أن أغمض جفني بدأ ذلك الضجيج الذي حفظته عن ظهر قلب.
ستسألني كيف؟
بل ستظن أنني أهلوس من فرط العياء وأن رائحة اللصاق والزيوت بالمعمل قد أثرت في!
سأخبرك إذن!
أعود مساء كل سبت إلى غرفتي البئيسة على سطح هذه العمارة التي يقطنها أشكال من الناس لا يردون التحية ولا يلقونها، يتبولون على السلالم وقد تسمع إحداهن توحوح وهي منغمسة في رذيلتها وأنت تتسلق السلالم التي يسودها الظلام، أو تتعثر قدمك بشخص جالس مع نديم له يعاقران الخمر فيطلق العنان للسانه بشتيمة لها أول ولا نهاية لها!
أعتذر بكل الكلمات ثم أنصرف إلى خمي وأغلق دوني الباب، أكتفي تلك الليلة بقطعة خبز وبعض الحليب، وأستلقي من فرط العذاب الذي يذيقه لي صاحب المعمل الذي أشتغل به محاولا النوم لكن ذلك مطلب عزيز في هذا المكان!
في الصباح وبعد أقوم من مرقدي أحس برأسي وكأنه بالونا مملوء بالماء وأقعد بعد أن أحزمه بما توفر لدي من عصابات بهذا الخم الكئيب.
بعد أن أتناول فطوري و الذي أحرص أن يكون مغايرا لباقي أيام الأسبوع، على الأقل أتناوله وأنا جالس ألوك خبزي في طمأنينة ولا شيء ينتظرني متلذذا بقضم خبزي في ملل.
ومع آخر قضمة يتردد صوت عجوز وقد أقوس ظهرها و أضحت مؤخرتها بارزة أكثر من اللازم من فرط دفع عربتها، صوتها أصبح مألوفا لدي، حتى أنني قد أميزه من بين آلاف الأصوات (على ربي شي خبيز كارم) وتردد هذا الكلام بصوت أقرب مايكون من استجداء ساكنة هذا الحي حتى يصير صوتها نشازا كصوت أغنية قديمة على قرص مشروخ!
أقوم بعدها ألملم ملابسي التي ألقيتها في كل مكان خلال أيام الأسبوع وأضعها في الإناء البلاستيكي وأنقعها بالماء والصابون وأفركها حتى تتخلص من آثار الشحوم وروائح الزيوت، وقبل أن أرفع رأسي وكما كنت متوقعا أسمع صوت بائع السردين فأطل لأشاهد مشهدا ألفته مذ أتيت إلى هذا الحي، فأتابع بائع السردين وهو يعدل شاربه الكث الذي غزاه الشيب قبل أن يلاحظ إقتراب قطة بيضاء فيلقمها سردينة تأخذها فيما يتابعها وهي تبتعد فرحة بغنيمتها.
وأستمر في تنقيع ثيابي، آه تذكرت …أتوجه صوب برادي وأفتحه أتفقد ما تبقى لدي من خضر علي أنعم بشيء يشبه وجبة اليوم…طماطم بصل بطاطس وزيتون فخد دجاجة، إذن لا ينقصني شيء، وقبل أن أغلق باب البراد أشرت بأصبعي وبعد أن أصخيت السمع محملقا في ساعتي الحائطية، أعلم أنه سيطلق العنان لزعاقته حتى يستفيق الراقدون فوق الأرض وتحتها .وينادي بصوت يبعث الوجل في النفوس، جااااااڤيل ..ساني كروا، آآه كدت أنسى يجب علي اقتناء هذا السائل الملون وأسكب بعضه في المرحاض فالرائحة لم تعد تطاق !
أهرول، وبعد أن أصل أسفل العمارة أجده يمارس فعلته الذنيئة ويتغزل بزوجة حارس العمارة وهي تلوك علكتها بطريقة مستفزة، أنتظر على بعد خطوات حتى تنصرف وأتقدم نحوه بخطوات حتى ألامس عربته اليدوية وأمد له قارورة بلاستيكية يعبئها بالسائل الملون ذو الرائحة النفادة وأمد له قطعة نقدية وقد تغيرت ملامحه كليا بعدا أن كان مستبشرا مهلل الوجه صار الآن مكشرا في وجهي، وانصرفت مثلما أتيت مهرولا!
أدخل غرفتي الكئيبة فأتذكر موعد الأخبار الرياضية أدرت المدياع ورفعت صوته كيلا يزعجني القادم الموالي فقد حان وقت حضوره.
بعد هنيهة سمعت نقرا على صحن أدركت أنه مرمم الأواني المعدنية وهو ينشد لحنا غريبا تمنيت يوما أن أفك شيفرة مايقول وكلما حاولت تقليده أفشل.
أغلقت نافذتي اليتيمة واستمعت إلى الأخبار وكالعادة فريقي المفضل يندحر مرة أخرى، أعددت شيئا يشبه الأكل، وضبت بعدها ملابسي في حقائبي فقد أدركت أن العيش هنا يستحيل وأن العودة إلى قريتي أمر حتمي!
عبد السلام بزيد – مدينة تارودانت
إبداع لغوي مميز ، إستمر ….