وتدلت ستائر الليل على شغاف القلوب العالقة بين آخر صفحات كتاب الذكريات ،الحالمة بالتحليق غدا نحو السماء الثامنة ،كانت النفوس ترقد بهدوء خافت خلف جدران الحياة الصامتة ،والقمر يمشى بتوأدة وترنح بين صفوق النجوم ملوحا بأصابعه المضيئة لمحبوبته المجهولة ،لا صوت يعلوا صدى أحرف قصيرة المدى وإبتسامات مسروقة بكل خوف وحذر تأتى من فتحات صغيرة من أبواب ونوافذ تلك العوالم البكماء.
بالقرب من إحدى النوافذ وقف صاحب الهامة الممشوقة الحزينة والطول الفارع الباكى مشبكا سواعده المحترقة وهو يتأمل فى تلك الحياة الشديدة الملوحة طارقةً لرأسه عدة تساؤلات ،كيف يتخلص من وجع الماضى وبؤس الحاضر وضبابية المستقبل ؟ أسئلة من دون جواب .
وفى الجهة الأخرى هناك شيخ يعد أيامه الأخيرة من عمره الطويل والعريض فى مسبحته تلك التى تفارقه أنى حل وحيث ارتحل ، أخذ سجادته وبدأ يناجى ربه فى تلك البيئة الليلية عله يلقى ربه بالتى هي أحسن .
وفى إحدى الجهات الأخرى أحكمت تلك الفتاة إغلاق غرفتها واطمأنت لنوم أهلها وبدأت سهرتها مع أحدهم،سهرة لا تخلوا من ألاعيب بالمشاعر وأكاذيب لعل أشهرها تلك الليلة البدرية بامتياز”انظرى إلى القمر كم يشبهك …كلما أشتاق إليك أنظر اليه انت كالقمر بل أجمل”
كل تلك الحركات كانت تدار كل ليلة داخل تلك البيوت لكن بقمة الحذر والخوف.
وفى جوانب أخرى هناك المتوجعون يهمسون فى أذن القمر حكاياتهم الحزينة ويرسمون ماتبقى من أطلال أحلامهم فى تلك السماء البريئة ،لم تعد لهم صداقة بأي من الكائنات البشرية…الطبيعة وحدها هي من فهمتهم وكانت قادرة على حفظ أسرارهم وأوجاعهم ،فمن القمر استمدوا شعلات ضئيلة اقتبسوا منها ماينير لهم زقاقا يسيرون فيه ،ومن السماء استمدوا العلو ليقفوا أمام العالم بكبرياء صدر قد أثخنته من الداخل الجراح ،وفى البحر استودعوا أمانات وأمانى عدة.
لم يعد فى هذا العالم مايعجبهم،فقد كسرت أجنحتهم وكممت أفواههم وخدرت أفكارهم وصفدت قواهم ولم يبق لهم من الحياة إلا الليل أو الكتب او الأواراق أو الأقلام ،يجدون أحزانهم ومشاعرهم وأحاسيسهم داخل أوراق الكتب ويتقاسمون أوجاعهم مع أوراقهم وأقلامهم ليخربشوا ما شاءوا وكيف شاءوا لعل جدول الأحزان داخلهم يذبل بعضه.
أحيانا يخرجون فى الليل يكتبون على الجدران وعلى الرمال عبارات ك “أحلام ضاعت …عزائم خارت …مودة ذهبت …(….)” إلى غير ذالك لكن لا أحد يجيب.
فيرجعون إلى عوالمهم الضيقة وقلوبهم تنفطر وأشلاءهم تتمزق يرون احلامهم تطير من امامهم إلى غير رجعة،لا يستطيعون تحريك ساكن ولا تسكين متحرك، فقط يكتفون برثاءها بدموعهم آملين أن يبعثها الله مرة أخرى .
فاللهم عوضنا مانعيش بالجنة.
محمد أجيد – موريتانيا
اترك تعليقا