بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد.
باديء ذي بدء؛ أتمنى أن لا يكون اللسان قد خانني حين وضعت هذا التركيب، وصغت هذا العنوان وهذا النعت المركب. ثم إنني في هذا الموضع لا أقف موقف المناصر أحدا على أحد بدافع الانتماء، ولا أتحدث كمتحيز إلى فئة قادتني إليها العاطفة. بل إنني أتحدث كذي وجهة نظر، ورأي، أتكلم من زاوية مستقلة وركن خاص.
فكما هو معلوم هذه الأيام قد أتت الدورة الموسمية لشن الهجوم على الدكتور الفايد، فلما كثر الحديث حوله، تجاذبته فرقتان متباينتان كما بان المشرق عن المغرب، إحداهما بعنف وغلظة، وأخرى برفق وتلطف، فكلما هاجمت الأولى ناصرت الثانية. وأنا طالما كنت أشاهد هذه الحملة الشعواء، وهذه الحرب الضروس عن كثب، وما كنت أحبذ الخوض فيها بأي ناقة أو بعير، لما رأيت من يشنها لا دراية لهم بما هم يخوضون فيه ولا تنبني آراؤهم فيها على أي أسس قوية، وحيثيات متينة، وإنما خواء في خواء، ثم إن الصورة التي بها هذه الانتقادات لا تنبي إلا عن السذاجة والسفاهة، والخبط بلا هدى ولا سلطان مبين، (وطبعا لا يعني هذا أنني عالم من العلماء، ولكن كمبد رأيه بكل حيادية)، ولما وجدت الأمر كذلك صددت؛ لأنني لا أرى في ذاك الخوض منفعة، وعملت بقول الشافعي رحمة الله عليه:
وإذا نطق السفيه فلا تجبه * فخير من إجابته السكوتُ
إن كلمته فرجت عنه * وإن خليته كمدا يموتُ
وعملا بقول الصفدي، إذ يقول:
وإن بليت بشخص لا خلاق له * فكن كأنك لم تسمع ولم يقلِ
ولا تمار سفيها في محاورة * ولا حليما لكي تنجو من الزللِ
لكن رغم ذلك فقد اقتضت الضرورة بعد هذا كله أن أخرج بهذه الكليمات لأسباب توفرت عندي. وامتثالا لأمر الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأنا أعلم أن فئة من الناس، والتي تتمثل في تلك المذكور آنفا لا تستوعب هذا الكلام ومثله، ولا تستسيغه، ولكن هذا لن يُجعل حائلا بيننا وبين ما نبتغي ونريد، ولن يضيرنا ذلك، كما قال البحتري:
علي نحت القوافي من معادنها * وما علي إذا لم تفهم البقرُ
فقلت والله الموفق إن هذا التطاول الذي نشهده اليوم على الفايد ليس جديدا أو وليد هذه الساعة كما تظن ثلة أظهرت فجأتها بما يقال، وانبهارها من هذا الكم الهائل من السباب والشتائم التي تناثرت حول صاحبنا تناثر القنابل على برآء المستضعفين. بل هو متجدد وأنبت بذوره منذ أعوام طواها الدهر طيا. وأنا ما قلت قولي هذا لأدفع النقد عنه أو أشهد له بالصواب المطلق للأقوال والأفعال، فهو إنسان يخطيء ويصيب؛ وهذا اعتقادنا في من لا عصمة له. بل أنا أستهجن هذا النقد لكونه نقدا خاصا عقيما من كل مميزات النقد؛ ولذلك سميته آنفا بالتطاول، ولكونه صادرا عن فئة اجتماعية خاصة. فمن لاحظ هذا الأمر وجد أن كل الذين يقفون ضد الفايد تجمعهم المرجعية الإيديولوجية كقاسم مشترك بينهم. وهذا الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول نوع النقد أو بالأحرى نوع (التطاول)، ثم يتبين لك أن ما يُنتقد كله مجتزأ بطريقة أو بأخرى، وبشكل مغيا من كلام مطول للرجل حوى أمورا غض الطرف عنها لحاجة في نفس يعقوب قضاها، وإلا فيجب الاعتراف بما يفيد، وبيان الخطأ، وليس بيان الخطأ وحد وإضمار ما يفيد، ولا شك أن هذا هو السبيل الأنصف.
وإن ما يجعل هذا الهجوم واهيا لا يعتد به أنه كله صادر عن قوم لا علاقة لهم بالعلم، فهل يعارض الموقف العلمي بالعلم أم بمجرد الرأي والموقف العقلي الهش، ولأن العقول تختلف درجاتها، والمدارك العقلية تتباين من إنسان لآخر فلا يمكن أن نضع أقوال هؤلاء في ميزان المعرفة، إذ كل يتقبل الأمر حسب درجة إدراكه.
ولأن الفايد غالبا ما يقرن أقواله العلمية بنصوص الشريعة بحكم مرجعيته العقدية، فإن الملاحظ أن كل الذين تصدوا له بالسب والشتم تجمعهم دائرة العدواة للدين ولعقيدة المسلمين؛ مما جعل رؤية الغرض من هذا التطاول تبدو واضحة وأنه على عكس ما يبدونه إزاءه. فكان أولى بهؤلاء أن يقيموا التجارب العلمية الرصينة لما أرادوا التصدي له، ومن باب الإنصاف يجب على المنتقِد أن يذكر إيجابيات المنتقَد وسلبياته، لا أن يقتصر على هذه الأخيرة فقط، ولما اجتمعت هذه الخسائس والهفوات في هؤلاء جعلت قولهم وموقفهم لا يقام له وزن في ميزان العلم والمعرفة.
ومن هذا كله نستخلص أن هذه الهجمة لا تعتبر علمية محضة تخضع للنقاش والتحليل، بقدر ما تعتبر نزعة هيجها ما يحز في نفس كل متطاول على الدين، وعقيدة المسلمين، وعامل الحقد على الإسلام، وإلا فلم نجد من يُعتبر قوله في ميدان العلم فعل ما فعله هؤلاء، فتأمل. وهذه حجة واضحة على ما أدعي، حتى لا يقال أني قسوت على جهة دون أخرى. والله تعالى أعلى وأعلم.
عبد الصمد التاج – مدينة أكادير
تبارك الله عليك صديقي عبد الصمد مقال في المستوى تحياتي لك ، واصل ?