خيمت على وجهي ضبابة حزن شديد بعد ما فتحت باب هذا المنزل ثانية بعد فترة طويلة، لتحتفي بي الجدران من جديد وترقص حولي صرخاتي المنبعثة من الداخل فرحا بقدومي. انتابني مزيج من الشعور الدفين في قعر قلبي منذ الصغر، مزيجا من القهر والشوق من الألم والعجز، ومن شظايا الماضي المرير. تقدمت بخطوات هادئة نحو الداخل، نظرت إلى كل أشياءنا الجامدة منتصبة أمامي تنحني لي في خجل وكأنها تقول: لم تصمت هذه الصرخات منذ أن غادرت هذا البيت. تجاهلتها في حسرة ودمعات دامية. جالسة على أريكة والدي، انظر إلى الماضي يعيد نفسه دون اذن مني. فها هو أبي جالس يبتسم ابتسامة ترحيب بالعم الأكبر ويشير إلى كل الحاضرين ان ينهضوا احتراما له لمكانته داخل عائلة الإدريسي. التفتت، فإذا بالطفلة ذات السابعة من عمرها تتردد في إلقاء التحية على العم الأكبر ونظرات العتاب كالسهام تمزق ما تركه العم في جسدها الصغير. وهو يتقدم نحوها تراجعت هي خلف والدها فمسكها بقوة بيديه المتجعدتين يقبل رأسها:
- لماذا تخافين مني؟ انظري.. لقد أتيت لك بالشكلاطة التي تحبين عزيزتي.
مسكتها الطفلة تحت ضغط الأب والأم. جلسوا جميعا حول المائدة يتبادلون أطراف الحديث.. مسك العم الطفلة فأجلسها على ركبتيه الضخمتين، يمسح بيديه على رأسها.
- هل لازلت تمارسين الرسم كما كنتي عزيزتي ؟
حاولت ان تبعد يديه عنها بجسدها الصغير لكن مخالبه كانت قد توغلت في خصرها.
قال الأب وهو يفتخر بصنيع ابنته:
- اذهبي حبيبتي وآتينا بآخر رسوماتك ليطّلع عليها العم هيا!
قفز العم من مكانه دون ان يلفت الأنظار الى الفرح الذي يكسو وجهه الملعون :
- لا داعي ان تأتيني بهم فانا قادر على الصعود للأعلى بالرغم من تقدم سني..
ضحك الجميع وهم يراقبون العم يأخذ بيد الطفلة وهي تحاول ان تفلت يديها منه لكن بدون جدوى. دهس بقدميه ضحكات الجميع وهو يعتلي الدرج و اللعاب يتقاطر من بين أنيابه.
قمت لأتتبع تلك الخطوات، فتحت باب غرفتي في تمهل انظر الى العم يخنق صرخات الطفلة. يقبل عنقها وظهرها العاريين. أغلقتُ الباب، وأسندت ظهري للحائط استجمع قواي. وقفت أمام الباب ثانية وأنا مغمضة العينين ثم فتحتهما لأنظر الى العم ينهش لحم الطفلة ويجردها من ملابسها، و يسندها الى الحائط ليمرر يديه على تفاصيل جسدها البريء. عينيه يملأهما بريق النشوة، يستمتع بالنظر الى العينين الصغيرتين المغرورقتين بالدموع.
مشيت بخطوات مهزومة نحو المرآة الموالية للباب أتحسس وجهي وعنقي بيدي أمامها، فإذا بي انظر الى الطفلة عارية أمام المرآة، وهي جالسة فوق ركبتي العم ويديه لازالت تخنق صراخها لكن لم يستطع ان يخنق ذلك النحيب المتسلل من بين أصابعه المقرفة وهو يهمس في أذنيها ويعض كتفها.
- هيا انحبي أكثر لأنتشي أكثر! هيا عزيزتي هيا!
وهي تبكي ألما وقهرا، يستزيد العم ضحكا ونشوة، و يلقي بالطفلة على السرير يأكل من شفتيها ما بقي من احمرار. عندما أنهى ما جاء لأجله قال للطفلة المرمية في الفراش:
- رغبت بالمزيد لكن يكفي هذا اليوم .
اقتربت الى حافة السرير المسها بأناملي ثم نظرت في حزن عميق الى الطفلة المنهارة أمامي وهو يمسك خديها في تهديد بارد.
- انت تعلمين ماذا سيحل بك ان ذكرتي هذا لأحد.. لذلك اصمتي اتفقنا ؟
لم ترد الطفلة ثم مسكها من شعرها يجرها إليه .
- اتفقنا ؟؟؟
اومأت برأسها إيجابا، ثم قبلها في وجنتيها ولحس بلسانه المقزز عنقها، ثم أنهضها ليراقب جسدها العاري هل يرى عليه اثر اعتدائه. وألقى بها بعد ذلك إلى السرير واضعا قربها الشكلاطة.
- لا تنزلي قبل ان تأكلي الشكلاطة كعادتك وإلا..
وأشار بأصبعه مهددا.
خرج من الغرفة وهو يشد سرواله للأعلى حتى لا يسقط تاركا إياها غارقة في دموعها كالعادة. خرجتُ من الغرفة القي نظرة من الأعلى فإذا به يجلس قرب والدها يخاطبه:
- صراحة الناس تنجب أطفالا وأنتما أنجبتما معجزة.. كل ما شاهدت رسوماتها أجدها أجمل من التي قبلها، ما السر في ذلك لعلها ورثت ذلك من أمها الجميلة!؟
ابتسم الكل وقال الأب بفخر: “الم يقولون منذ القدم أن الفتاة تشبه أمها؟”
ابتسم ابتسامة ماكرة:
- نعم وفعلا هو كذلك!
التفتت الى الطفلة ترتدي ملابسها في تذمر، ترمي بالشكلاطة من النافذة. و بعد هنيهة نزلت تلبي نداء والدتها للعشاء. بينما الكل يأكل أخذت هي تتمعن الطعام أمامها، و تمتم بعض تمتمات لم يتبينها أحد من الحاضرين. التفت إليها الأب فلاحظ ارتعاش يدا الطفلة فقفز إليها في فزع شديد.
- ما بك عزيزتي ؟
بدأت تبكي شيئا فشيئا ليلتف حولها الكل، بين مستفهم وبين جازع. وجد العم الأكبر فرصة انشغال الكل وحمل حقيبته يجري والعرق يتصبب من جبينه. بينما بدا جسدها الصغير يرتجف وتكسو رغوة بيضاء ثغرها، دخل الحارس يعلن ان العم الأكبر قد دهسته سيارة أجرة. كست الدهشة أوجه الحاضرين غير مستوعبين حجم هذه الأحداث المتتالية. وهم في صدمة سقطت الطفلة الى الوراء لتعلق نظرها بي وعينيها تدمعان، دون اذن أغلقتُ عيني وانهرت بكاء على طفولتي المغتصبة. فقد كانوا يوصونني ان احمي نفسي خارج المنزل ولم يوصونني ان احمي نفسي داخله أيضا. امتزج بكائي بصراخ الطفلة على كل شيء دنس داخلي وعلى احاسيسي المفقودة. فقد اصبح هذا البيت المهجور حفرة نار تأكلني منذ طفولتي الى الآن. وانا جاثية على ركبتي منهارة على كل دمعة خرجت من عيناي وعلى نفس الألم الذي اشعر به كلما مزقني العجوز، وعلى كل صرخة وأدها في حنجرتي وعلى براءتي المقتولة من القدم وعلى كل قطعة لحم سقطت مني كلما لمس جسدي، وعلى كل قطعة شكلاطة أكلتها قصرا باسم هدية العم الأكبر.
نادية السوسي – أيت اورير
عن جمعية الشباب الواعد
اترك تعليقا