“قراءة موضوعاتية”
ان من ممكنات الخطاب الروائي صناعة أو تشييد عالم موازي للطبيعة؛ ينطلق من سلوك الانسان في مختلف مراحل حياته، ومختلف أنساق سياقه الحضارية والفكرية، وهو ما نجده متمثلا وجليا في رواية الدجال، بحيث تعتبر هذه الرواية أو اللوحة الخيالية السيمائية من تجليات الممكنات السردية التي حاولت رسم صورة للإنسان، وهو في مصارعة لانساقه المتوارثة، التي رسمت جغرافية للممارسة الاجتماعية والثقافية والفكرية؛ من خلال بنية المتخيل التي ساهمت في خلق دراما الانسان التراجيدي الذي يمثل قوى الخير، أو تمثل هذا السلوك وهو الخير انطلاقا من بنية ذهنية صوفية تطفو في رمزيات مكثفة في المتن الروائي، والمتتبع لأحداث هذا العمل الفني النثري المتاتع في الفاظه يجده يغرف من قواميس فلسفة المثالية والصوفية والتي تستدعى في خطاباتها الإنسان الكامل وهو مانجده من خلال التناص في بعض الحكايات القديمة والرموز التي وضفها الكاتب شوقي الصليعي، كما نلاحظ تحكم الكاتب في سيولة اللغة الشاعرية بحيث يستطيع المضي في شريعة الألم والانتقال بها دون انتباه الى شاعرية التأمل والفرح، ولعل هذا الأسلوب هو من ترك القارئ في حذر شديد في مراقبة الأحداث وتتبع تفاصيلها، وتجدر الاشارة الى الفلسفة العميقة التي تتطفو على المتن من خلال رمزيات العتبات والاقوال التي يفتتح بها الكاتب خطابه وهذا دليل على تأثره بالفلسفة وفي رأي أنها الرواية تندرج تحت مصطلع الرواية العرفانية والتي تتمتيز بالغنى الرمزي والكثافة الدلالية، والحال كذلك نشير من خلال الرواية الى يوتوبيا الخير والصراع المتمثل حول الفكرة وهي فكرة الانسان المخير وهنا نغوص في موضوع فلسفي يتوارى وراء البنيات اللسانية للرواية والتي يجب على قارئ الرواية الالتزام بالحفر المعرفي في فراغاتها من أجل أكتشاف الدلائل الأخرى التي تخلق من فضاء السرد حياة خيالية يتصارع في أحدثها الشخصيات الفاعلة الرئسية في الرواية، كذلك بإمكاننا اعتبار هذه الرواية من الأعمال النثرية العرفانية لما تزخر به من مصلحات ومفاهيم صوفية في دلالتها الرمزية، بحث لا يمكن للقارئ البسيط أن يكتشف هذه الدلالات إلا بالرجوع الى النصوص المستدعاة من قبل الكاتب وهذه حركية تناصية معنوية في ظهورهها تتطلب مخزون معرفي وثقافي للمتلقى وبهذا وجب اعادة قراءة الرواية عدة مرات لفك شفرات اللغة الشاعرية واللغة المنسقة واللغة الهاربة نحو اليوتوبيا، ونشير أيضا من خلال هذه الرواية الى الواقعية الموضوعية التي انطلق منها الكاتب فهو يبحث في تفاصيل الحياة اليومية ويرصد سلوك الفرد مع الاخر ويرصد سلوكه مع غيره في وضعية نسقية ثقافية تكاد تكون حتمية نمذجية فيتحدث عن المعاناة النفسية والتي تكاد تطال الجسد بصورة جمعاوية ولطالما كان موضوع المعاناة تيمة دسمة للكتاب فأنه لا يزال ركن أساسي موضوعي في المتون الروائية لأنه متجدد وبصور مختلفة ولقد كان شوقي الصليعي ملتزما بإشكاليات مجتمعه ليس التونسي فقط بل ان خطابه يتعدى الجغرافيا ليكون انساني في بعض جوانبه وهذا مما يفلح فيه الكتاب المعاصرين
وختام هذه القراءة أن الرواية تتميز بالتكثيف الدلالي من خلال توظيف أشكال من الرموز والتناص المعنوي وغيره من البنيات المعنوية واللسانية التي تشكل وحدة السرد ونموه في خارطة سردية تتراوح بين الانغلاق والانفتاح، كما نشير الى الجانب المعرفي الذي يتطلب حفرا في جسد الرواية للوصول إلى بنية ذهنية استشرافية للمستقبل بتفاصيل مثالية في السلوك وأعتقد من خلال تتبعي لهذه الرواية أنها طفرة خطابية متميزة في الجانب المعنوي الفكري الشاعري والجانب الشكلي الذي هو دعامة الرواية المعاصرة التي أصبحت تعمل على الجانب الشكلي في معظم اهتمامها بخلاف رواية الدجال التي تعترضنا من الوهلة الأولى بعتبة العنوان التي تستوقفنا مع رمزية الدجال وما لها من أثر ديني وقصص ديني وهو الحال كذلك مع علاقتها بالانسان والتي نربطها بحكم قراءتنا بالسلوك المنافي لطبيعة الانسان الفطرية التي خلقه الله على هيئتها على غرار المتن الغني بمثل هذه التشكيلات البصرية في معظمها.
عبد المطلب براهمي – الجزائر
المداخلات العلمية:
- مداخلة في الملتقى الوطني” اللسانيات الحاسوبية” بعنوان “الحاسوبية والنحو”، المدرسة العليا للأساتذة بوزريعة، الجزائر.
- مداخلة في الملتقى الدولي” يوم الباحث الناطق بالعربية”، بعنوان” عوائق البحث العلمي وتحديات الباحث العربي”، جامعة العربي التبسي، تبسة، الجزائر.
- مداخلة في الملتقى الوطني السادس” اللغة العربية الواقع والمأمول” بعنوان المعالجة اللغوية الآلية ودورها في هندسة النصوص العربية- مقاربة وصفية تحليلة” جامعة الشاذلي بن جديد، الطارف، الجزائر.
- مداخلة في الملتقى الوطني السابع” التراث الامازيغي في المؤسسات الجزائرية” بعنوان” التراث الامازيغي في الخطاب الروائي مقاربة في ضوء النقد الثقافي” جامعة الشاذلي بن جديد، الطارف، الجزائر.
- مداخلة في الملتقى الوطني الفلسفة والأدب بعنوان التأويل من الفلسفة الى النقد، جامعة الحاج لخضر_ باتنة1_ الجزائر
المقالات العلمية:
- مقال علمي موسوم ب”الحجاج في رسالة عبد الحميد مهري الى عبد العزيز بوتفليقة مقاربة تداولية نقدية'”، منشور ضمن المؤلف الدولي الجماعي” التحليل النقدي للخطاب مفاهيم واجراءات وتطبيقات” الناشر المركز الديمقراطي، برلين ألمانيا.
اترك تعليقا