يقول المثل الشعبي المغربي: يدك منك واخا تكون مجرابا” و هذا يعني أن المرء لا يستطيع التنازل عن جزء من جسمه بدعوى مرضه. و يعني كذلك أن الوحدة تضم الضعف. و هذا الأخير بدوره مستقل و لا يكون ظاهرا غالبا، إنما هو في حركة دائمة إن صح قول “جان ماريجكو ” القائل بأن “الإنسان في حاجة إلى اللامتناهي، فما يحركه-أي رغبته- لا يمكن إشباعه أبدا“. فلا يمكن إذن أن تستقر النفس البشرية على حال واحد بسبب طبيعة وجودها و حاجتها اللامتناهية إلى المواساة، حتى نعيد قراءة عنوان كتاب الفيلسوف السويدي ” ستيغ داجرمان”: حاجتنا إلى المواساة غير قابلة للإشباع“.
و الضعف، نقيض القوة، لا يكون باديا أو مفرطا في حال وجوده داخل منظمومة متحدة و متعاونة و تهدف من خلال تعاونها و اتحادها إلى طمس مكامنه حين تبدأ في التشكل، أو لنقل صراحة أن الوحدة تعمل “أوطوماتيكيا” على وضع حد لبوادر الضعف. و العكس، أي حين تترك بوادر الضعف تنمو بدون كبح أو مواساة داخل منظومة غير متحدة و غير متعاونة، هو شيء يدعو إلى إعادة النظر في بنية هذه المنظومة، حتى تتجاوز حالة الدمار. ” بحيث أن “]ال [ مجتمع يلتذ في قتل الكلية في كل كائن، و هذا القتل هو الذي يقود المنتحر للانتحار… و إن ما يقتل الناس، كما الذي يحييهم، هو الأفكار…”كما جاء في كتاب الجهل الجديد و مشكلة الثقافة ل “توما دو كونانك”.
وفكرة التعاون-على ما يبدو- أصبحت تتماشى مع فكرة الضعف في عصرنا. و هذا إن دل على شيء إنما يدل على نفور المجتمع و عزوفه عن مد يد العون للآخر، تحت تأثير ظاهر و جلي لنوع من النرجسية المستترة. و النرجسية مرض لا يتلقى-لسوء الحظ- قدرا كافيا من الاهتمام و الدراسة كما مفهوم “الربح” على سبيل المثال. علما أن من أسس الدين التعاون، أي التخلص من حب الذات أو نكرانها. لقد كان الإسلام و لا يزال دين وسطية و اعتدال، و هو معيار من الممكن أن نقيس به و من خلاله حقيقة الرقي الاجتماعي. و اعتماد الإسلام معيارا في التقييم يوجب الفهم الصحيح له. لذا فغياب التعاون في مجتمع إسلامي، من القائم أن يثير تساؤلات أخلاقية-حتى نقتصر على هذا النوع من التساؤلات- متعددة، تشيد بوجود تناقض بين الخطاب الديني و الواقع، أو الشارع.
يقول المولى عز و جل: “و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان.” المائدة-الاية-2. وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم : “المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كالْبُنْيانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا “. ويقول القرطبي رحمه الله: ” فواجب على الناس التعاون، فالعالم يعين بعلمه، والغني بماله، و الشجاع بشجاعته في سبيل الله، و أن يكون المسلمون متظاهرين كاليد الواحدة، فالمؤمنون تتكافأ دماؤهم، و يسعى بذمتهم أدناهم، و هم يد على من سواهم.”
إن الإنسان في حاجة إلى الإنسان: الرجل إلى المرأة، و العكس صحيح، و الرضيع في حاجة لأمه، و العجوز في حاجة للشاب ليعينه و الشاب في حاجة للعجوز لنصيحته… نحن في حاجة لأنفسنا كي نكون، و وجودنا لن يكون كليا إلا إذا كنا على علم بأنفسنا.بينما نحن نعيش داخل نطاق لامبالاة عديمة الطعم تجاه ذواتنا، فكيف يجدر بهذا العقل السجين و الأحادي و المختل، أن يسقي الآخر من حوله، أليس فاقد الشيء لا يعطيه؟
كريم الحدادي – مدينة مولاي بوعزة
اترك تعليقا