إعداد وتقديم: القاص أحمد العكيدي.
“كل كتابة تجبّ ما قبلها، لذلك، نحن نكتب وكأننا لا نكتب، دوما ننشد الإضافة والتجديد”.
الشاعر والناقد أحمد الشيخاوي.
بداية نتقدم بالشكر الجزيل للشاعر والناقد أحمد الشيخاوي على تلبية الدعوة وعلى مساهمته الفعالة في إنجاح هذا الحوار.
نص الحوار
- سنبدأ الحديث عن موقع الإبداع الأدبي بصفة عامة والشعر بصفة خاصة في حياة المبدع أحمد الشيخاوي؟
بداية أشكرك على هذه الالتفاتة اللطيفة صديقي أحمد العكيدي، وأقول لك: الكتابة هي المتنفس الوحيد، في غمرة ما يعتصرنا من أوجاع ويحاصرنا من خيبات وانكسارات وهزائم، فالعالم كما ترى، بات يتجاوزنا بجملة من التحديات، جديدها جائحة كورونا، ولسنا نملك سوى تلكم الأوبة إلى إنسانيتنا وهشاشتنا من خلال عزلة إبداعية مخولة للحفر عميقا في ذواتنا، في محاولة منا لترتيب صفحات العمر وتدارك الثغرات الوجودية ومعالجة الاختلالات في مختلف المجالات.
الشعر على نحو خاص، أراه قدرا أصابني، وطالتني منه حظوظ تتآلف داخل دوائرها الآمال والآلام، اللذة والوجع.
فلنقل أنه مثلب قهري، اختارني قبل أن أختاره، ديدن راح يكتبني وأكتبه.
- باعتبارك تمارس النقد الأدبي، كيف يؤثر ذلك في كتاباتك الشعرية؟
إن المزاوجة بين الشعر والممارسة النقدية، أثمرت الكثير من التغييرات في نصوصي، وأضفت عليها جملة من الرؤى الموسوعية التي قد ينصاع لها الفعل الإبداعي في تسلق سلم الشعرية تبعا لتصاعدية معانيها ودوالها الحداثية.
بت أكتب بثقة أكبر، مع فائض للحذر، بالطبع، من الوقوع في فخ استسهال العملية الإبداعية، إجمالا. ففي النهاية، كل كتابة تجبّ ما قبلها، لذلك، نحن نكتب وكأننا لا نكتب، دوما ننشد الإضافة والتجديد.
- كناقد كيف ترى علاقة النقد الأدبي بالحساسيات الأدبية الجديدة، خاصة تلك التي تخترق حدود التصنيفات التقليدية للأدب وما هي أفضل السبل لإنصافها من غير حشرها في هوية أدبية لا تناسبها بالضرورة؟
سواء تحدثنا عن الأجيال أو الحساسيات، فالإبداع يفترض أن يظل في مأمن ومعزل عن كامل هذه الاتهامات، إذ أن لكل زمن فرسانه كما يقال، وحتمية أن نحدّق في نطاق بصيرتنا، وألا نلتفت إلى أبجديات الذاكرة أو نذعن لسلطتها، إلاّ بالقدر الذي يتيح لنا النهل من مخزونها بما ينير لنا سبل المستقبل ويذلل لنا جغرافياه.
جميل ومهم أن تتعايش الأفكار التي تتناسل عن هذا الفيض الإبداعي المتداخل أو المتناغم أو المتقاطع أجناسيا، والأجمل منه ألا نصادر حقّ أجيالنا القادمة في التعبير عن ملامح حضورها، على النحو الذي تراه مناسبا.
بل يجب أن نبحث عن الإنصاف الذي يضع الإبداع في لبوس قداسته ورمزيته دون أن يجرّده من روح غائيته وجدواه.
فكل ما يرفد في العوالم التنويرية والترويحية والعرفانية والجمالية، بما يسد الطريق على الفكر العنصري والظلامي، يظل مقبولا ومرحّبا به، كما معولا عليه في بناء الإنسان والأوطان.
- نعلم أستاذ أحمد الشيخاوي أنك غزير الكتابة وتساعد قدر المستطاع من خلال مقالاتك على التعريف بالتجارب جديدة. حدثنا قليلا في هذا الشأن؟
إن جذور قصتي مع الكتابة، تمتد إلى بدايات مشواري الدراسي الإعدادي، وبفضل من الله أولا ثم المجهود الشخصي والمثابرة، تمت مراكمة التجربة ومحاولة تجويد نتاجاتي الأدبية والفكرية والنقدية.
قاربت تجارب العديد من الأسماء، عبر الخارطة الإبداعية العربية، بلا استثناء، بل وحتّى الأقلام المهجرية نالت نصيبها من التأويل والاستقراء، كما تشرفت بكتابة مقدمات للعديد من الإصدارات وطنيا وعربيا، لأني اعتبر ذلك مسؤولية وواجبا ومتعة أدبية قبل أي شيء .
- من خلال تجربتك في مجال النقد، هل استطاعت التجارب الجديدة أن ترسم لها طريقا مغايرا عن تجارب الرواد؟
دائما هناك من يحمل المشعل، ولو انه في ضوء هذا الانفلات الرقمي الذي له سلبياته مثلما له إيجابياته، دون شك، ارتفع صبيب استسهال الكتابة الشعرية، بحيث غلب النظم على الإبداع العروضي، وارتجلت قصيدة النثر.
مع ذلك نلفي بعض التجارب الجديدة وقد فرضت حضورها، وزعزعت المعنى فيما يرتبط بقدسية الكبار أو عروش الرواد.
- لماذا في نظرك تراجعت الحركة النقدية في المغرب حيث أصبحنا أمام مواكبة نقدية شبه منعدمة؟
في اعتقادي، النقد بخير، ويجب ألا نتهمه فوق اللازم، أو نحشره في هذه الزاوية الضيقة التي قد تعطي الانطباع بأنه، أي النقد، مقصر في مواكبة النص الإبداعي، على زخمه وتنوعه، كون الكثير من النصوص التي باتت يفرزها الراهن الرقمي، يحكمها الحس الفردي، ولا تتم عبرها مراعاة الذوق العام والجماعي. إنها معضلة استسهال الفعل الإبداعي، تماما، كما سبق وأشرت إلى ذلك.
- ” في زمن اللاثقافة” كما يطلق عليه الكثيرون، ما هو نوع الدعم الذي يحتاجه الكاتب؟
يحتاج الكاتب اليوم إلى مزيد من الحرية، كي يعبر عن قناعته ويصوغ مواقفه وأفكاره بعيدا عن سوط الرقابة وجلد الممنوع.
فضلا عن دعمه ماديا ومعنويا، بفكّ اللعنة عن دور النشر التي مازالت غارقة في الأوهام السيادية والاشتراطات التجارية واستعباد كل هو جوهري في المبدع ونابضة به الممارسة الإبداعية.
على المبدع أن يودّع عصر عاجية ما يدون، وأن يقطع معه بالكامل، لينخرط في قضايا وهموم الشارع والمجتمع.
- نلاحظ أنك تفضل نشر معظم مقالاتك في صحف ومواقع ثقافية عربية، هل لصعوبة النشر في المغرب علاقة بذلك؟
ليس كليا، بل أنشر في بعض المنابر الوطنية، وأغتنمها فرصة لأتوجه إليها بالشكر، لأنها احتفت بحرفي المتواضع، ولو أن هناك حقيقة مرة تكمن في كون اختراق مؤسستنا الثقافية، ليس يتم بسوى اختراقها من الخارج.
- في ظل ما يطلق عليه آلان دونو “بنظام التفاهة”، هل يستطيع المثقف أن يكون فاعلا إيجابيا في مجتمعه؟
المثقف العضوي، أثبت وعلى مرّ العصور أنه معني بتطوير مجتمعه نحو الأفضل، وأن الحياد أشبه بخيانة لا تغتفر، غير أن تسميم المشهد بالرسميات الزائفة المعتّمة والمدرة لكثير من الرماد في الأعين ، قد تدفع بالمثقف المبدع إلى عدم الانخراط الواقعي، علما أن نتاجاته الأدبية تسترسل في تمردها وتقدميتها وعصيانها على التطبيع مع راهن منكسر مهزوز.
- قبل الكلمة الأخيرة، حدثنا عن جديد أعمالك ومشاريعك المستقبلية؟
أتوقع أن تصدر لي بعض الكتب في الشعر، وأيضا نقد الرواية والشعر والحوارات، مستقبلا، وهي جاهزة ومعدّة، أنتظر فقط الوقت الملائم لتقديمها إلى الجهات التي أقتنع بخدمتها، وأعتبرها منارة للنشر العربي المطبوع، لأنها تحمل همّ إنصاف الإبداع الرصين والجاد والملتزم.
كلمة أخيرة؟
آمل أن تنقشع جائحة كورونا، سريعا، وآمل أكثر أن يرتب عالم ما بعد كورونا أوراقه من جديد، بما يعيد الاعتبار إلى إنسانيتنا وهشاشتنا ورسائل حضورنا التي نصوغها أدبا وفنا وغيرهما من ثقافة للتنوير والترويح وإثبات تحضّر ورقي النوع البشري.
نبذة عن الشاعر والناقد أحمد الشيخاوي:
مواليد سنة 1973، قرية أولاد ملوك، ضواحي مدينة أوطاط الحاج، عمق المملكة المغربية .
الانحدار من أسرة للمقاومة وجيش التحرير.
أعمال الشاعر والناقد أحمد الشيخاوي:
في الشعر
بضع مجاميع شعرية بين المطبوع والرقمي، جردها كالتالي:
- الباكورة “صهيل الهامش” مجموعة ورقية سنة 2008.
- “صديق السنونو” مجموعة ورقية سنة 2009 / رباط نت / سعد الورزازي للنشر.
- “معها كما الشعر يظن” مجموعة رقمية، عن مجلة اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة 2014.
- “العزلة أمي” عن ectabالأردنية للنشر والتوزيع الإلكتروني 2015.
- “بأقل من شسْع كُليب” ، مجموعة ورقية، طبعة أولى2019، منشورات جامعة المبدعين المغاربة، الدار البيضاء.
- “مملكة السحرة” مخطوط شعري قيد الطبع.
في النقد
- كتاب ” شعرية المعنى الجنائزي”، طبعة 2019، إصدارات دار الماهر، الجزائر الشقيقة.
- كتاب “دوال الاغتراب في الشعرية العربية الحديثة.. ريم الخش (نموذجا) “، إصدارات جامعة المبدعين المغاربة ، طبعة أولى 2020.
- كتاب “شعرية النص الموازي” قيد الطبع.
- كتاب “مرايا السرد” قيد الطبع.
ينشر حاليا في العديد من الجرائد والمجلات الوطنية والعربية.
- الأنشطة الإعلامية والجمعوية.
- رئيس تحرير مجلة الغاوون الإلكترونية.
- رئيس تحرير مجلة عناقيد الرقمية.
- عضو تحرير مجلة النواة المغربية الورقية (قيد الإصدار).
- عضو تحرير مجلة (المغاربي) الورقية ومدير مكتبها بالمغرب.
- مدير تحرير موقع كواليس ثقافة وأدب.
- عضو تحرير مجلة مدارات الإلكترونية.
- عضو جمعية البديل الثقافي/فرع مدينة أوطاط الحاج.
اترك تعليقا