الكتابة، إحداث للأثر وتجاوز للموت بشكل رمزي تطبعه نسبية الجرح المحدث، في تماه تام بين القلم والسيف ذلك أن رؤوسهما هي الفاعلة والمحدثة للأثر فوق السكون(الورقة بيضاء تلطخ بمداد القلم كما أن الجسد ساكن قبل أن يخدشه رأس الخنجر أو السيف ليتفجر دما فيتلطخ)، كي يتحول من العدم إلا اللاعدم، ومن القوة إلى الوجود/الفعل. فاستئصال النسيان من عمق التاريخ هو جرح نحدثه في كيانه كي تصبح الكتابة ذلك الأثر الذي يغطي الأثر (الجرح). إلا أن الكتابة كجرح يترك أثرا لا يشفى ولا يلتئم يطرح إشكال التضارب بين الجرح والتاريخ الذي يمضي في مسار دونما أية رقابة تحد من سيولته سوى جرح الكتابة التي تحول مساره بفعل السلطة التي قننت الجارحة كأداة فاعلة ومحدثة للجرح ثانية، وبالتالي كيف للنسيان الذي هو في الأصل خيانة للحدث أن يكون موضوعا للجرح/ الكتابة؟، أليس التاريخ تاريخان، تاريخ النسيان وتاريخ الجرح/ الكتابة؛ مادام الجرح تحكمه اليد الجارحة/الكاتبة (الأنسان)؟، تلك اليد التي أحدثت التاريخ وتكتب تاريخا آخر وفاء للسلطة، إن السلطة سلطة العقل التي تؤطر بالعادات الاجتماعية والعادات الدينية…إن هذا يقودنا حتما إلى مناقشة الحقيقة كمفهوم وتحقق، هل فعلا ما نقوم به هو تحقق لها، أم صورة مشوهة وفقط. إن الناظر الحصيف في الجرح كدليل، وعلامة، وحجة، وبرهان، وحقيقة تدعي الحقيقة، تطرح أمامنا تحديا يجعلنا نقول إن السلطة هي الحقيقة التي تمنع الحقيقة من التحقق، وخير مثال من بين العديد من الأمثلة يمكن أن يقربنا مما نناقشه هو أن كتابة(الجرح) سيرة ذاتية حقة أمر غير ممكن، لأن السلطة تمنع هذه الجراحة فترغم نفسها على الاستعارة كآلية لكتابة سيرة ذاتية حقيقية للاستعارة بعدما تتدخل سلطة القارئ فتعطي الشرعية للحقيقة الاستعارية، مما يتبادل الجارح والمجروح الاستعارات حتى نعيش فوق البخار نسعى دائما وراء الحقيقة دون لحوقها.
كما تجدر الإشارة ههنا ونحن طبعا أشرنا إلى السيرة الذاتية كجرح(كتابة)- فثمة تباعد بين المنطوق والمكتوب، أي ما يتحقق كتابة لا يتحقق نطقا في علاقة جدلية بينهما- إلى ثنائية السيرة غرب/عرب الذاتيتين، اعتبارا لخصوصية الذات الجارحة، ذلك أن من النقاد من يحرم السيرة الذاتية عن العربي ويجزم بأنها صعبة العيش في بيئته. على غرار الأوروبي الذي يستطيع الكتابة وفاء للسلطة!، ذلك الدافع أصلا للكتابة كما يشير إلى ذلك النقاد، لكن ما الضامن لنا للحكم بكون هذه الثنائية عرب/ غرب نصف شفافة وبالتالي تحطم رمز الغموض والالتباس وتحل محلها السلطة التي تمنع الكتابة!. أسئلة تولد أخرى وكلما تكاثرت ولدت سؤال الحيرة، مما يجعلنا نغير زاوية النظر ونطرح السؤال التالي: إذا كان الغربي(الغرب) كتب ويكتب السيرة الذاتية فلما نجد العديد من المنظرين امتنعوا عن كتابتها، هل لأنها تافهة بالنسبة لهم أم أن مسكوتا عنه في شخصيتهم حال دون ذلك؟. لنفترض جميعا كاتبا ما في السياق الذي نحن فيه كتب سيرة ذاتية يسرد فيها وقائعه، هذه الوقائع التي يلقيها إلينا كقراء، تحكمها نسبية مطلقة لأن ما سيبدو مهما له قد لا يبدو كذلك للقارئ وبالتالي تسيطر سلطة المهم/ التافه بالنسبة للكاتب، التي قد تكون عكسية للقارئ. كما أن هاته المسماة سيرة ذاتية، أي مرحلة عمرية تلامس؟، الآن وأنت واقف تحمل تاريخك من أي نقطة تبدأ وكيف ستبدأ؟… فقط أتساءل، حتى يجيب السؤال نفسه.
الحسين السايحي – مدينة تازة
اترك تعليقا