ماتت أحلام بعد صراع طويل مع مرض السرطان، لكنها لم تمت في قلب سعيد طيلة السنوات التي ظل مغتربا في مدينة الرباط. مرت تسع سنوات كاملة على ذلك الجرح الذي مزق كياني إلى قطع صغيرة، مرت السنوات كما يمر فصل الخريف بتقلبات مزاجه في شرق المغرب.
كنت دائما ما أتخيل أحلام وهي تبتسم ابتسامة خفيفة كمن يحاول قول شيء ما، لكن سرعان ما تتحول تلك الابتسامة إلى وجه مكفر تصبح معه ملامحها غير واضحة،
ببساطة يا سادة، لم تكن كباقي النساء، لا تحب كثرة الحديث ولا عناقات العشاق المزيفة، كانت حالة وإستثناء إخترق حياتي، تقبل بدون سابق إنذار كمن يأخد دفع إيجار شقة يملكها، كانت تبادر في كل الاحاسيس دون مقدمات عن معنى الحب والاشتياق الذي يجعل من العلاقات عجينا يصعب خبزه.
أخد سعيد سجارته الرابعة من علبة السجائر الرخيصة، مد يده للولاعة ببطء شديد بعد انحنائه قليلا كأنه يحاول تقبيل أحلام. زم شفتيه على السجارة، ثم أوقد حياتها وتنفس الصعداء، تاركا وراءه دخان السجارة يعلو في فضاء مقهى النصر، كان يردد دائما أي نصر حققنا حتى نطلق على المقاهى أسماء لا تمث لها بصلة!!
سرعان ما يترك تفاصيل الاشياء ويعود إلى عمق حياته من جديد كم استفاق من حلم عابر.
مرت سنة كاملة على رحيل أحلام، وتسع سنوات على مغادرة سعيد أهل البلدة، لم يملك أحد القوة والجرأة لإخبار سعيد أو الاتصال به بطريقة ما، سنة ولم يعرف بعد أنها لم تعد هنا على هذه الارض، كان الكل خائفا من عودته، كان الكل مذعورا من ردة فعل قد تكلفهم الغالي، كان الجميع مسلما أنها زوجة سعيد وليست ملك بن عمها، بل هنالك من يقول أنها لم تنم ولو لمرة واحدة مع زوجها علي، مفسرين ذلك بعدم إنجابها طيلة السنوات الماضية، هذا ما جعل أهل القرية ينفرون من أب أحلام وإدانتهم له بعد أن أفسد حياة بنته و مثقف القرية الوحيد.
مرت ساعة على دخول سعيد مقهى النصر، كانت كافية لتذكر ملامح أحلام الوردية بقامتها المعتدلة ولون بشرتها القمحي، وعيناها السوداوين وشعرها الحريري الاسود، وشفتيها الصغيرتين، لم يشعر سعيد بدموعه وهي تنهمر حتى سمع الغرسون يطلب دفع ثمن القهوة، دفع تحت دهشة واستغراب الغرسون، لينطلق إلى وجهة لم يحددها بعد، ولكن في الغالب ستنتهي في إحدى حانات مدينة الرباط التي تستقبل جسده الثقيل الذي يشبه جسد الموتى الأحياء.
شعبان أحمد – جرسيف
اترك تعليقا