دنيا الخادمة، بريئة الوجه والابتسامة، نحيلة الجسم، مظهرها عنوان لمأساة تعيشها الفتاة، عيناها كتاب لقصة رعب، ما على المرء سوى فتحه وتصفح صفحاته ليعرف القصة واسرارها، عالمها الوحيد مطبخ مشغلتها لايربطها بالعالم الخارجي سوى نافدة المطبخ المطلة على الباحة الخلفية للعمارة السكنية، من هناك ترى وتسمع مايدور من حوار وشجار بين الجارات، ومن خلالها ايضا تتبادل الحديث مع بعض الفتيات خادمات كن او من الجيران، الجميع كان على علم ان الفتاة تتعرض للاساءة من طرف مشغلتها، لكنها لم تشتكي يوما، حتى لو تجرأ أحد من السكان وسألها، تهربت من الجواب، ربما خوفا او استسلاما لواقع مر فرض عليها بسبب اليتم والفقر.
هذا الصباح، سمع سكان العمارة بكاء دنيا وصراخها، سمعوها تستغيث وتستنجد وتطلب العفو من مشغلتها، كانت تئن وتئن بصوت مبحوح
- تقول: لن اكرر ما فعلت، سامحيني سيدتي احسست بالجوع فأخدت موزة.
من اجل موزة كان العقاب، جرح غائر في الراس، حروق في كل انحاء الجسم، صدمة نفسية، رعب و خوف، فالجرم كبير والذنب لا يغتفر، كان على دنيا ان تتحمل وتخفي تضورها من الجوع وتترك الموزة، التبرير الوحيد للمشغلة وراء كل هدا العنف هو: اليوم اخدت موزة، وغدا ستطمع فيما هو اكبر، تبرير منطقي بالنسبة لوحش أدمي لا يعرف معنى الانسانية، ولا يقدر ان الانسان تبقى قيمته محفوظة مهما كان وضعه.
شفيت دنيا ، تكلمت، باحت، دافعت عن نفسها، كشفت كل اسرارها، فتحت كتابها ليقرأ الجميع قصتها، قد تعرضت المسكينة لسوء المعاملة من طرف مشغلتها، ومن كل افراد العائلة، تعرضت للشتم والسب والإذلال والتحقير والتجويع، تحرش بها ابن مشغلتها المدلل، أكلت بقايا الطعام، افترشت الأرض ونامت في المطبخ ، تحملت كل هده القسوة وهي طفلة في الحادية عشرة من عمرها، يتيمة الام وضحية زوجة الاب.
ستنصف دنيا، سيأخد القانون مجراه، وسيعاقب كل من أساء اليها، لكن لما علينا أن ننتظر حتى تقع الماساة لنقوم بالواجب ، فمظهر الفتاة وحالتها كان عنوانا واضحا لماساتها ، كما أن صغر سنها لا يسمح بتشغيلها، مكانها الطبيعي هو المدرسة، فشكرا اذا لحبة الموز، فلولاها لما انقدت دنيا.
امال الادريسي – طنجة
اترك تعليقا