و كانت ” أندريا” حائرة، تنتظر قدوم أحدهم لإخراجها من قفص الاتهام، هذا الذي وضعها فيه الكاتب بدعوى الخيانة. كانت تترقب عائدا و تجهل أنه ما من عائد يكمل وصف هذا العمران “الباروخي” و هذه الهندسة الرومانية ذات الأبعاد. لقد أثارت شفقتي و أخرجتها بسهولة لأضعها بين الأميرات أميرة تأمر و تتحكم بكبرياء في كل من صادفته في طريقها، قائلة بعزة نفس يزكيها جمال “بريطاني” و “عروبة” في العيون تبهر كل سلطان غرور و تجعله يتنحى عن طريقها و هو حزين، ضعيف لا يفقه في ما أصابه سوى الذهول و الخضوع :
- فلتغير الاتجاه…
و عزمت على الجمع بين صديقين فرق بينهما الزمن. فقدمت للمغترب جواز سفر و بطاقة هوية و القليل من المال، ففرح و عاد إلى أرض الوطن، عاد يركض و يتنفس و يصرخ في وطنه. و قدمت لصديقه كتابا تقشعر لسماع كلماته كل الحواس، وكان للقائهما معان لا تعد و لا تحصى.
في أقصى نهاية القصة، كان هناك شيخ وحيد ينادي باسم موثق تغيب عن موعد العمل، فجلس يلقي في العبر و الأسرار و القواعد بعشوائية دون أن يصغي له أحد. فأخرجت الموثق من الحمام و جعلته يضحي من أجل توثيق ما جادت به ثمانون سنة من حكمة و صواب.
و عدت بشق الأنفس إلى الوسط، فوجدت رجال أعمال في اجتماع سرمدي، كلما اتفق اثنان، عارضهم الثلث و الرابع، أما الخامس و السادس فقد دخلوا متاهة أخرى تكاد تصيب السابع و الثامن بالجنون. أما التاسع، فقد كان ينتظر دوره في الكلام. فجعلته ينطق، فنطق و كان الاجتماع قد حسم و ذهب كل واحد منهم في رضا و سلام.
حين خرجت فجأة من قاعة الاجتماع، مررت بالقرب من قاعة الانتظار، فإذا بي أرى نفس الأشخاص يناقشون نفس الموضوع و بنفش الطريقة الفوضوية ، المثيرة للاشمئزاز. تركتهم و شأنهم و فهمت لماذا تم الحكم عليهم بهذه الطريقة. و قلت:
- لقد أصاب المبتدأ.
بالتوفيق