إسماعيل بخوت يكتب: لماذا الكتابة ؟

28 يونيو 2021
 
 
لماذا هم يكتبون؟ لماذا كل هذا الزخم من السيل الروائي الذي يشهده العالم؟ لماذا!
لست الأجدر للإجابة على هذا سؤال والحديث بألسنة كل كُتاب العالم.
لكن أعتقد، لدي ما يكفي من المقومات لفك شِفرات هذا السؤال.
كل شخص في هذا العالم لديه ما يكفي من الأفكار والتجارب والمواقف التي تستحق التقاسم في قالب أدبي معين، نعم أنتَ، أنتِ، لكن الأمر يختلف في طريقة التعبير من شخص إلى آخر.



هناك من يقذف بتصوراته في قطعة موسيقية، وهناك من يمزجها ألوانا فوق اللوح، وهناك من يبسطها كلمات فوق أوراق…
نكتب من أجل استنطاق الروح، وعِتق تلك الكلمات العالقة، وتخليص ذلك الصوت غير المنطوق من تكهنات الصمت، والبوح بكل ما يختلج الذات تجاه جل قضايا الحياة، ومن أجل بسط كل ما مر به المرء في شريط حياته في صيغة تسمح له الرضى عنها.
الكتابة هي تلك الأداة التي تسمح للإنسان بالقول ما يريده في قالب مشخص بشخصيات تتحدث بلسانه، وهي تلك الفرصة التي تسمح لكل الأحلام والأفكار التي راودت العقل أن تخرج للحياة.
نكتب من أجل بناء وتصور تلك الحياة التي يجب أن تُعاش، من أجل صناعة تلك الشخصيات التي يفتقدها المجتمع، من أجل اعتناق كل الأحلام العصية عن انبثاق في الواقع، من أجل البوح بكل الأحاسيس والمشاعر والأفكار التي لم تستطيع الحياة خلق لها السياق المناسب لقولها.
نكتب من أجل النبش في تخوم الذاكرة، وبعث روح الحياة في كل ما مضى وجعله يتحرك من جديد.
نكتب من أجل التخلص من تلك المواقف التي ينبغي أن يُسمع طنينها عاليا بعيدا عن كل ارتسامات المجتمع،
ومن أجل تصور وبناء ذلك الحلم التي رفضت الحياة إنجابه وتوفير الشروط الضرورية له من أجل العيش.
نكتب من أجل ترميم ذلك الماضي الكالح وبعته من جديد في أفضل حلة موثوق البذلة، من أجل إدراف كل الدموع التي لم تُدَرِّف في كل المواقف الحزينة، ومن أجل التخلص من كل العقد الدفينة.
نكتب من أجل التعبير ومحاولة الشفاء من الانكسارات الداخلية ومحاكاة ذلك الشخص الذي نشتاق إليه.
نكتب خوفا من تناثر تلك الروح المعشوقة التي تسكننا ومن أجل مجالسة من نفتقده من شخوص في دوائر عيشنا والإجابة على كل الأسئلة التي لم تُسأل، وتقديم الأجوبة التي لم تسمح الحياة بقولها.
نكتب من أجل إطلاق العنان للخيال في خلق سيناريوهات كما يريد، وتحدث اللسان بالكلمات وطريقة التي يريد بعيدا عن كل القيود.
نكتب من أجل الصراخ بأعلى صوت دون لفت انتباه المارة، ومن أجل أن نرتدي ما لا نستطيع فعله علانية في قالب مشخص في قوالب أدبية.
ونكتب في أحيان كثيرة لأننا ربما في حاجة إلى ذلك الذي يسكننا أن يقرأنا في كل مرة بصيغة مغايرة.
 



إسماعيل بخوت – الدارالبيضاء



اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :