انطلقت، وككل سنة الإمتحانات للدورة الربيعية بجامعة بن طفيل، بالموازاة مع معظم الجامعات المغربية، وكما هو معلوم فالظروف التي يمر بها الموسم الجامعي جراء جائحة كورونا وتطبيقا للبروتوكول الصحي الذي اتبعته الدولة، فرض على الجامعات صياغة تقنية التدريس عن بعد في كل التخصصات الأدبية وكذلك العلوم القانونية والاقتصاد، فكانت فرصة التدريس الحضوري تشمل فقط طلبة كلية العلوم كون هذه الأخيرة ينقسم تكوينها بين النظري والتطبيقي، مما جعل جل الطلبة وعلى رأسهم الحركة الطلابية ترفض وبشدة صيغة التدريس عن بعد. وقد انطلقت مجموعة من الخطوات النضالية في جل الجامعات من أجل فرض التدريس بشكل حضوري، وذلك لكون التدريس عن بعد ليس له أي سبيل للنجاح، بل نتائجه ستكون جد متدنية ولن يستطيع الطالب تحصيل أي تقدم في تخصصه. لكن، بالرغم من ذلك، مر الأسدس الأول في رمشة عين ليجد الطالب نفسه محشورا في الزاوية! فهو لم يركز على الدروس المباشرة بصيغة zoom، والمحاضرات التي كانت توضع في المنصة الإلكترونية ولم يحقق مطلب الدرس الحضوري. وضاع بين هنا وهناك ليجد نفسه في المقابل أمام امتحان من السهل الممتنع! أقول السهل الممتنع لأني اطلعت على كل الإمتحانات والتي كانت غالبيتها مجرد ملئ خانة الاجوبة بعلامة × (QCM)،هنا وجد الطالب نفسه بين البارحة حيث قدمت له بضع صفحات في محاضرات قليلة مراعاة للظروف الحالية التي يعرفها العالم، وبين النزوع لتحقيق درس واقعي في قاعة أو مدرج داخل أسوار الجامعة، حيث تجد عشرات الكراسي ممتلئة ولكن، فقط بعضها يستوعب ما يناقش داخل الفصل.
الطلبة الممتحنون هذه السنة وخاصة الطلبة الذين توالت السنوات ولازال الفصل الخامس يلاحقهم كلعنة تأبى أن تتركهم، أقل ما أقول عنهم أنهم إما أن أسوار الجامعة قد استوطنت عقولهم ولم تترك لهم مجالا للخروج أو أنه بالفعل بعض القرارات كاختيار شعبة ما فقط للتباهي تكون خاطئة. ويظل الطالب ملازما للخطأ عله يصلح وحده مع مرور الزمن، لكن هل الزمن يتوقف في هذه اللحظة أم أنه يتوالى والطالب في غفلة منه؟! نعم هذه السنة الطلبة كانوا أمام اختبارات في المستوى حسب الوضع الراهن، إلا أنه عند دخول قاعة الإمتحان يدخل بفكرة واحدة وهي أنه لم يدرس حضوريا وبالتالي لن يمر الامتحان إن لم يلجأ للغش-وهنا أستثني طبعا فئة قليلة وأحييها على نضالها الحقيقي داخل قاعة الامتحان، فئة تجدها في كل زمان ومكان تعرف ماذا ولماذا وجدت في القاعة- وإما اللجوء للخطة البديلة وهي انتظار وصول الوقت القانوني لتسليم الورقة فارغة والخروج من القسم، وتتعدد الأسباب.
هناك من لم يسعفه الحظ وكانت اللجنة تضم عددا كبيرا من المراقبين وبذلك ففرصة الغش ستكون بمثابة انتحار واضح، وهناك من وجد نفسه داخل قاعة امتحان شعبة غير الشعبة التي ينتمي إليها!!!! وهناك من وجد نفسه في فصل دراسي غير الفصل الذي سيمتحن فيه من نفس الشعبة، وهناك من وجد نفسه في اللائحة ضمن شعبة لم يخترها، بل ترك الملف لزميل له أثناء عملية التسجيل…وإلخ، معظم الطلبة وجدوا أنفسهم في جزيرة مهجورة مع أوراق امتحان سهل لكنه ممتنع؟! عبارة عن خيارات لو أنه اجتهد بنسبة 10٪ كان على الأقل سيحظى بمعدل يؤهله للنجاح، ولكن للأسف وكم تحسرت عند كل ورقة فارغة أضمها لمغلف الامتحان.
كم من ورقة شاخ صاحبها فقط ليستطيع الوصول لمعلومة من صديق له أو ورقة صغيرة داخل ملابسه أو هاتف، عوض أن يستعمل نفس المهارة في الإصرار والعزيمة للنيل من ساعتين على الأقل كل يوم وهو يحضر للاختبار.
كم سقطت دموع طالبات وأخص بالذكر طالبات عند الاطلاع على ورقة الامتحان- أتذكرطالبة سألتها هل تشعرين بألم ؟هل أنادي المسؤول إن كنت مريضة؟! لتجيب لا أنا بخير ولكن لم أدرس جيدا ربما أتركها للدورة الاستدراكية ولكن لن يكون بهذه السهولة….-.
وبطبيعة الحال يختلف كل طالب عن الآخر حسب المسار والشعبة التي يتبعها ولكل طالب ضغوطاته النفسية والتي لا يمكن التملص منها؛ منها ضغوطات مادية ونفسية واجتماعية.
لا ننسى بأن الطالب هذه السنة قد حرم من حقه في السكن الجامعي ومن الاطعام بالمطعم الجامعي، فأغلب الطلبة الممتحنون ينحذرون من قرى وضيعات بعيدة عن الجامعة ومنهم من كان يمضي كل ساعات الإمتحان دون وجبة غذاء صحية تعيد له نشاطه وحيويته ليعيد بعد كل إمتحان ترتيب خزامة أفكاره، بل كان جل اهتمام بعض الطلبة متى سينتهي هذا القدر المحتم عليه في ظل هذه الجائحة ليعود بوسيلة نقل رديئة للمنطقة التي ينحذر منها، فينال قسطا من الراحة وينعم بوجبة غذاء محارب دسمة تنسيه جوع وعطش تلك الساعات الطوال بالجامعة- نستثني طبعا الفئة البرجوازية الصغرى التي تصل لمركز الامتحان قبل عشرة دقائق بسيارة طاكسي، أو سيارة العائلة…- وكذلك هناك فئة من الطلبة التي تشتغل بمصانع تصنيع السيارات والتي كانت تصل لحجرات الامتحان كجثة هامدة تبحث عن ركن مناسب لنيل قسط من الراحة وانتظار وصول الوقت القانوني لتسليم الورقة والخروج مهرولة للبحث عن سويعات للنوم قبل طلوع فجر جديد ولكن مع نفس المعاناة اليومية للطبقة العاملة.
هناك طلبة يعملون بالمقاهي والمطاعم والحانات والمحلات التجارية-أنا كنت واحدة منهم وأفتخر بذلك، وسوف أعود للبحث عن عمل لضمان بعض المال للعيش وللدراسة-…الطالب الممتحن بين كسول، مجتهد، عامل، وبرجوازي…”
بوشرى العسال – مدينة سيدي يحي الغرب
اترك تعليقا