تبرز بين الفينة والأخرى قضايا كثيرة وعديدة، فيتحول أفراد المجتمع إلى عارفين بأبسط التفاصيل، بل خبراء، ثم سرعان ما يبدأ كل واحد مَوقعة نفسه في زاوية معينة. لكن الفئة الغالبة والمغلوبة في نفس الوقت نجدها تزيد من إعلاء سقف المقاربة و (التحليل)، تحس بأن هناك من يطاردها، بل يتآمر للنيل من أحد ما.
من بين القضايا التي خضعت لهذه المؤامرة حسب فئة المجتمع التي ذكرناها أعلاه، وانطلقت معها ضجة ساخنة، قضية كون الصحافة ليست جريمة، أي نعم، لكن هل من يمتهنها لن يكون بمجرمٍ يوما ما؟
أتفق جملة وتفصيلا مع حملة أن الصحافة ليست جريمة، كما أن الفن ليس جريمة، ولا السياسة جريمة كذلك، ولا الرياضة جريمة…، وكل ما هو مشروع ليس بجريمة، إلى أن يتبث الجرم في أفعال هؤلاء ممن يمتهنون ما ذكرت أعلاه، فيصبحوا مجرمين دون أن تلحق هذه الصفة ما كانوا يقومون به، لأن المهنة تبقى نزيهة كيفما كانت طبيعتها.
انطلاق موجات التضامن مع قضايا عدة عرفتها الساحة السياسية()، لم تكن وليدة اللحظة، ولا جديد زماننا هذا، لقد دأبنا على قراءة “هاشتاغات” التضامن مع قضايا عديدة في مختلف الميادين، دون التريث ولو هنيهة لمعرفة حيثيات القضية وملابسات وقوعها، ولا أطرافها، إذ يكفي أن يظهر اسم له مكانة في مجال ما – والمكانة لا تكون بدرجات الرقي دائما… – حتى ويخرج جنوده وأتباعه ممن يؤمنون به للتضامن معه، ناصرين أخاهم سارقا ومسروقا، قاتلا ومقتولا، ظالما ومظلوما. (فالاسم) المُتضامَن معه في نظرهم شخصية مقدسة ومنزهة عن الخطأ، ولا يمكن أن تطأ رِجلاها الزلات ولا تقترب منها الشبهات.
أما إذا كانوا ممن تعشش لهم نظرية المؤامرة في عقولهم، فالقضية هنا بالنسبة لهم مُسَيَّسَة، وشباك العدو ترمى عليهم وعلى من يتضامنون معه، ورماح جهات ما وجهت لهم (قد تكون جهات من نسج الخيال )، والحرب أعلنت عليهم، ولا مفر فأين إذن المستقر!؟
لهم حق الرد، والرد عندهم سريع يَخرج في شكل صيحات التضامن، وأن الكل مظلوم، والتضامن عين الصواب وهو حق، والحق أريد به باطل.
“سعد المجرد”، “كوبل الحركة”، “طارق رمضان”، وغيرهم من الأسماء التي عرفت موجة التضامن من طرف أغلبية معينة. لا أعرف المراد من هكذا خرجات، هل الهدف منها التأثير في القضاء وثنيه، وهذا مستبعد!، أم فعلا تضامن لامشروط مع من لم يُصنفوا بعد أي خانة هم.
وإن كان هذا التضامن اللامشروط هو الأصح والأقرب، فالحري بهم انتظار كلمة القضاء في قضايا من يتضامنون معهم. فالسجن مليء بالسجناء، وهم بريئون براءة الذئب من دم يوسف حسب قولهم! فمن قتل ومن سرق ومن خان ومن أفشى السر..؟
تفشي ظاهرة التضامن العشوائي بعد الإحساس “بالمؤامرة”، والذي في نفس الوقت أوراق ترمى من المتضامنين برسائلها، لا يمكن تفسيره إلا بعدم إيمان هؤلاء لا بمؤسسات قضائية ولا أمنية ولا قوانين، سواء داخل الوطن أو خارجه. فالكل في نظرهم خطة وفخ وحفرة وتخويف وإسكات وإلجام لصوت الحق الذي حَصْحَصَ في زمرتهم وبينهم فقط، وما التهم إلا مُلفقة، ولا صحيح منها ولو كانت صحيحة.
فأي خطة هذه التي اجتمع فيها الشرطي والقاضي والمحامي والإعلامي والسائق والسياسي، والتلفزة والمذياع وسائق الطاكسي، وأصحاب السبت والأحد ورحلة استغرقت الشتاء والصيف !؟ ومن يكون هؤلاء فعلا حتى يُخَطَّطَ لهم؟ هل هم مؤثرون لهذه الدرجة حتى يفعل بهم هكذا!!؟ سواء في الفن أو السياسة أو الإعلام وغيرهم في باقي المجالات…
ثقافة التضامن هذه، تقتصر فقط على قضايا دون غيرها، وأصحاب هذه القضايا يتم انتقاءهم وفق معايير خاصة ترتبط بالنسب، والانتماءات السياسية والإيديولوجية…، إلا أنــه وللأسف الشديد، لا تشمل هذه الثقافة (التضامن) كافة أفراد المجتمع، في تجزيء تام للتضامن، وحصره على فئة دون أخرى. دون أدنى إحساس بالمؤامرات التي يعرفها المجتمع في مختلف المجالات، وقد يكون مساهما ومشاركا فيها عبر سياسات عمومية طويلة الأمد.
أصبحت تلة من المغاربة وليس الجميع لكي لا أسقط في التعميم، (أصبحت) تفهم الخبايا وبين السطور، وتفهم الدسائس كانت صغيرة أو كبيرة، يكفيها أن تتضامن وتقول أن هناك سيناريو به حبكة قل نظيرها، دون السؤال عن صاحب هذا السيناريو، ودون التأكد ولا انتظار كلمة المؤسسات التي تبقى الفيصل مهما تعددت السيناريوهات كانت حقيقية أو كاذبة مفبركة. فمن يتحكم لتوجيه هذا النوع من التضامن؟ ولماذا توظف المؤامرة في قضايا دون غيرها؟.
محمد الهشامي
*باحث، وكاتب رأي
احييكم على هذا الرقي