“إنه قلبي.. البلد الأكثر حسرة”
جيوزيبي أونغاريتي
أنت الذي كنت هناك وربما لا تزال. أنت, نعم أنت. أنت الذي انزلقت مع الفجر وبعض الطيور المهاجرة بعيدا. مررت من هناك, وها أنت الآن تمر من هنا نحو الأفق الذي لا نكاد نراه نحن اللاشيئيون, الأقزام اللذين لا يصلحون سوى لترتيب الذاكرة وكثير من الحزن ووعد بدوي بالبقاء. أي وعد هذا الذي ترمي به بدوية تحمل قمرا قديما يضيء حينا وينام أحيانا كثيرة؟ البدوية التي تحب القمر وتمقته حين يرتاح, و ترمي بخيمتها المزوقة تحت صدريتها الجديدة, كما ترمي الجدات القطع النقدية ; بلا مبالاة ومعرفة قديمة بأنها ستنفذ اليوم أو غدا. الوعد الذي ينسى كما قيظ الظهيرة حين تمطر للدرجة التي يضع فيها أهالي القرية كلب حراسة جنب النهر. هوالوعد نفسه الذي يسبق دموعا قليلة مقابل مصلحة التأشير على الجوازات بمطار بعيد وبارد ربما. يحدث كثيرا أن يشبه قيلولتها السريعة في سيارتها السوداء, حين تتنكر لأحاديث البعيدين, وحين يصير نهدين متوسطي الحجم كبطيخ صيف قريتها. وحين تسود الشفة السفلى بدون سابق إنذار.
تشرق شمس قادمة من ظهره. تختلط أصوات الطيور بأغنية أفريقية راقصة, يلتصق فنجان القهوة بحاملة الكوب ويزقزق عصفور قرب الشباك. يرتشف قليلا وكثيرا. الطريق للقرية تظهر من زاوية المكتب.
المرأة؟ تحضر مع الهواء الجديد ضاحكة, بعنق مائل في غنج لليمين, يسبقها عطرها الفاخر ويغيب كل شيء ما عدا البيت الصغيرجنب معصرة الزيتون القديمة. يسار الطريق باتجاه الغابة, وبحتها البعيدة. البيت والبحة.
_ نحن في الصيف الآن.
الراوي الغبي يتأفف ويرمي عقب السيجارة نحو النهر. النهر الذي لم يعد هو هو. الراوي الذي لا يحب السباحة وسراويل الجينز الزرقاء الضيقة من الأسفل, المتسلط العاجز والبخيل.
_ لينتهي كل شيء هنا. لا شيء يهمني بعد الآن سوى بحتها البعيدة, أكاد أشعر بحرارتها. دعنا منك ومن كل شيء, وتخيل نعيم بحتها. لن أحدثك عن المفاتيج الأخرى, أملكها ولا أملكها. عصية على القبض هي.
أهمس في أذن الراوي الذي ليس صديقي أبدا.
مع بداية كل صباح ننام نحن المغاربة. وحين نفعل تضيع البحة الساحرة ويضيع معها أملنا في الحب.
تأن قليلا, تأن وأنت تضرب برجليك تراب الطريق نحو البيت الصغير. تأن وأنت تنظر للجبل المقابل لك. تأن وأنت تقبض على الوعد البدوي. فقط تأن.
بارد هذا الصيف ولا ماء في النهر.
يونس طير- مدينة شفشاون
اترك تعليقا