كانت مذيعة مبتسمة على غير عادتها، فبعد سرد موجز لأهم الحوادث والكوارث التي وقعت في ذلك اليوم في أنحاء متفرقة من العالم، وبعد تعداد عدد القتلى في حروب السنافر ضد كل قوى الشر، عادت إلى أخبار الشأن المحلي في البلاد وكمن يمازح أعلنت بأن بلاد الحلزون سجلت أخيرا وبعد انتظار طويل حالة إصابة بفيروس كورونا الشهير وبأن الحالة في مدينة السنابل، تجمد ريق “إبيقس” ونظر جاحظا في شاشة التلفاز وسكنت أطرافه عن الحركة بعد أن كان يتمطط في مكانه كعادته،فهو كما تصفه زوجته كالعلقة، يلتصق بكل شيء ولا يستقر به حال
سمع الخبر وتوغلت في ذهنه مشاهد الموت، لمح زوجته” تاݣمو” تهدهد طفلهما الصغير وأطرق يفكر متسائلا
هل يمكن أن يصل هذا المرض إلى تمازيرت؟! وهل يمكن أن يهزمني هذا الزكام؟
فكر في كل شباب قريته الذين يعملون هناك، سعيد ومحماد وبلعيد وأربعة اخرين من أبناء “الدا حمو”، وكلهم سيعودون بمناسبة العيد وقد يحضر أحدهم المرض معه. غمغم إبيقس في أعماقه واستل من جواه تنهيدة مثقلة، وسأل” تاݣمو” : _هل الكمامة التي صنعتها للجدي ما زلت تحتفظين بها.!!؟
أجابت تاݣمو بأنها في مكان ما بالحضيرة وأنه لم يعد هناك داعي لاستعمالها، فالجدي الصغير قد كبر وأمه قد جف ضرعها وإنما يمكن أن نحتفظ بها لحين تنجب المعزة رضيعا جديدا
كان إبيقس يدرك جيدا أن تفادي شباب القرية أمر صعب وأن اختلاط “ٱجماعة” في مصلى العيد بالأحضان الزائفة مورد حتمي للهلاك.ولكنه وجد خطة ستجنبه الاختلاط بهم دون عناء
سأل تاݣمو مجددا: هل تعلمين أن ذلك المرض القادم من بلاد الشينوا قد وصل إلى مدينة السنابل وقد يصل لتمازيرت في الأيام المقبلة..
لم تأبه تاݣمو لقوله، وقالت أن هذا المرض لا يصيب إلا الأغنياء، وأنت يا زوجي العزيز فيك من أمراض الفقر ما هو أشد من هذا المرض
حسنا..حسنا..، نتمنى السلامة على كل حال.
أطرق “إبيقس” رأسه قليلا وقال في نفسه: يوم العيد سأضع كمامة الجدي وأتوجه إلى المصلى وأجيب كل سائل عن سبب وضعي لها بأنني مريض وخشيت أن يكون الأمر مرتبط بذلك المرض الفتاك الجديد، وعندئد سيبتعد عنى الجميع وأنجو.
صار ابيقس منذ وصول خبر الوباء اليه مسكونا بالهواجس، يلاحقه شكل الفيروس الذي راه على شاشة التلفاز كلما توقف عن تدخين لفائف الحشيش وزاد من هلعه تزايد عدد المصابين يوما بعد يوم فقرر أن يرسل زوجته وابنهما الصغير الى بيت والدها.
بعد أسبوعين يزداد الوضع سوءا فتقرر البلاد منع الناس من الخروج دون حاجة للحد من انتشار المرض.
وفي ليلة احتجازه الأولى، كانت أطرافه ترتعش خوفا من الجائحة التى يزعم البعض أنها غزت قريته، كانت الأعراض متشابهة بين المصابين فأغلبهم يسعل دون توقف ويعانون صداعا رهيبا…
لا أحد يعلم بالتحديد من كان أول من أحضر الوباء من بلاد الوقواق الى قرية بولعلام، فالكل يقتصر تنقله في حدود الفيلاج وأغلبهم يعرف عن المدينة فقط ما يسمعه من وسائل الإعلام العمومية، ولكن كيف بلغ الوباء القرية الصغيرة ومن يا ترى كان سببا في إحضاره.هل هو مسعود الذي كان في زيارة لابنته بمدينة السنابل أم هي غنو التي عادت من جني القطن بدولة الزيمبابوي أم هم أبناء الحاج علي الذين أغلقو محلهم بعاصمة البلاد وعادو مذعورين إلى بيت والدهم
كان ابيقس مترددا في القبول بالاحتجاز الطوعي في بيته، فهو دائم الحركة ولا يبقى في غرفته الوحيدة بالبيت الذي يسكنه وزوجته نهارا إلا حينما يرغب في إعداد لفائف الحشيش التي يدمن على تدخينها، ولكنه التزم بالأمر بعدما خشي على نفسه الهلاك، أو السجن، فقوات السنونو تحاصر القرية وتحتجز كل من يخرج من بيته دون سبب ولأن ابيقس لا عذر له للخروج وجد نفسه ملزما على طاعة قرار هيئة السلامة
كانت ليلته الأولى هادئة في دقائقها الأولى، استغل الفرصة لعد عدد قصبات السقف واختبار قدرته على حبس النفس لأطول مدة ممكنة وهو مستغرق في إلهاء نفسه، غزت غرفته رائحة قوية وخانقة، كانت جارته عبوش تحارب المرض بمختلف أنواع البخور وتحرق أنواع مختلفة من أوراق الشجر، وكلما نضب مجمرها من الدخان هبت إلى ملئه مجددا، فقد حرصت على توفير ما يلزمها لأسابيع.
كان ابيقس متضايقا في بداية الأمر فرئتاه لم تعتادا غير دخان الحشيش وأي شيء آخر قد يخنقه. استحمل لمدة دقائق واطلق العنان للسانه بالسب والشتم ولكن دون جدوى، فجارته عبوش صماء منذ زمن
فكر لدقائق بعدما عيل صبره ولم يعد قادرا على التعايش مع الرائحة الوافدة، قفز فوق السطح صارخا بان المرض قد أصابه وأنه التقط العدوى من جارته. .
يوسف وحمان – شيشاوة
اترك تعليقا