كان مما تحكي العوام في مجالسها وتورده الألسن في باب التهكم أنه كان هناك حلاق ظريف الروح، خفيف الدم، كثير الدعابة بقدر ما يجعل زبائنه منتشون بالسماع غير عابئين بمرور الساعات، وكان خبره يذاع بين الناس فيزيد الواردون عليه ويضيق دكانه على الحاضرين، كان لحضوره بهاء وألق يضفي على زحمة المكان فسحة الروح فيصير العبء لذة ونشوة.بلغ خبر هذا الحلاق الفريد سلطان الدولة فطلب في أمره وشدد على مرسوله بأن يحرص على حضوره حرصه على رقبته، كانت الشمس تنتصف في بحر الزرقة فياضة بالنور والدفء وكان حينها المرسول على عتبة الدكان يفاوض الحلاق في أجل الحضور، فالسلطان له غضبة حين يؤجل طلبه، وكلما ماطل الحلاق في الحضور زاد مغرمه وتأكد نفيه وقد يستباح دمه على ترنم جاريات السلطان مرفوقا بعزف على العود من عبد حبشي.
وافق الحلاق على أجل يوم ليزور في نفسه مقالة مدح وثناء في شخص السلطان، وهكذا حين بلغ الأجل محله ووقف بين يديه وبعد أن أسهب في تعداد مناقبه وفضائله أمره السلطان أن يتخد بيتا بجوار القصر سكنا له ولزوجته وأن يصير حلاقه الخاص، لم يكن أمام الرجل بد من القبول ممتنا، ولكن الحلاق طلب شرطا واحدا : ” دعني يا مولاي أحتفظ بموسي ومشطي ومقصي فالحلاق قد يفسد رؤوس زبائنه حين يعمل بما لا ترتاح فيها يده.”، ٱمتعض الحاجب من طلب الحلاق وأومأ له جاحظة عيناه بأن يتراجع عن شرطه فورا،في حين ان السلطان إبتسم بهدوء وقال للحلاق: أتريد أن تحلق رأس السلطان بما كنت تحلق به رؤوس الرعية.؟
شعر الحلاق بالخجل وٱجترع ريقه كثلة تتراوح بين الحنجرة ومقدمة الحلق فأطرق وقال: — الأمر ما أمر مولاي.
بعد أيام يستدعى الحلاق ليقوم بأول مهمة له في مهابة السلطان، وقد جهز له الخدم ما يعينه على عمله بأحسن ما يرام،كان الحلاق مترددا ولكنه ما لبث في العمل لحيظات حتى وثق بنفسه وأوغل في قص خصلات الشعر حتى صرخ السلطان متأوها،بتر الحلاق طرفا من أذن السلطان وعادت الرعشة لأحد أصابعه كما العادة، وأردف يقول : لقد أخبرتك يا مولاي أنني لا أجيد الحلاقة إلا بأدواتي القديمة ولكنك لم تقبل عذري..
استشاط السلطان غضبا وقال له: لقد أفسدت يداك ما لا تستطيع أدواتك إصلاحه يا حلال الدم، وأمر بقطع أذني الحلاق عقابا له.
تنازلك في لحظة ضعف عقوبة مؤجلة.
يوسف وحمان – شيشاوة
اترك تعليقا