كان الغيم جاثما على قرية رحال، والناس في بيوتها متلحفة بأثواب الصوف ولا أحد يجرؤ على الخروج، ندف الثلج تكسو هضبة أبلالوز فتبدوا كأنها قالب سكر نقي كذاك الذي كانت تنتجه شوشاوة زمن السعديين..
يقف القنفذ عبسي وحيدا على عتبة جحره ونفسه ترغب في تناول بعض الحلزونات الطرية بعد أن أنضجها للأكل مطر أسبوع كامل، ولكن الجو ينذر بالهلاك.يطرق عبسي برهة وأمعاؤه تنبض داخله وذهنه مشدود إلى الوعد الذي قطعه لمن طلب يدها منذ شهر مضى، قنفذة غضة تدعى منانة، كان شرطها للقبول بعبسي زوجا أن يكتب لها قصيدة بلغة لم يكتب بها أحد من قبل.شرط بعيد المنال وعبسي قليل الحيلة لم تسعفه الظروف في معرفة أوفر وتعليم محترم، كل ما يعرفه هو عدد الكلاب البشعة التي تجوب أطراف القرية ودروبها، وموعد زرع الجزر وبعض الإشارات الجوية التي يحدد من خلالها حالة الطقس في مقبل الأيام.
عبسي قنفذ طموح ورغبته في زواج أجمل قنفذة في القرية أوحت له بفكرة مجنونة: فلا أحد يمكنه أن يكتب قصيدة كتلك سوى ثعلوب العجوز والذي يقطن في أرزن على بعد كيلومتر ونصف، يرتدي عبسي جلبابه ويتوكأ على عصاه ويشد الرحال لطلبه المنشود، في طريقه يقابل الموت مرارا، وعيون المفترسات مترقبة لكل العابرين بحرص، وحرص عبسي على النجاة أوكد ما يخالج صدره، ولخوفه من أنياب ذئاب سهب موجنيبة وضع على أشواكه كومة ثلج حتى يتماهى مع لون الأرض فلا ينكشف أمره.كان الأمر عسيرا وبعد ساعات من المسير وصل باب جحر العجوز ثعلوب وسعادة الإنتصار تغمر قلبه بعد أن عاد لموضعه، دخل مسلما بعد أن طرق للحظات دون أن يجيبه أحد، كان عبسي متوجسا يقدم رجلا ويؤخر أخرى فلا يكاد يتحرك إلا لماما حتى بلغه صوت متقطع يدعوه للدخول فلا مجال للخوف بعد أن تجاوزت حدود الباب.يبسط عبسي قصته أمام العجوز متمنيا عليه أن يفك من وحلته وله بعد ذلك ما يريد..
كان ثعلوب حكيما فبعد سنوات من عمله عون سلطة لدى قبيلة الضباع أدرك بعمق فداحة الإستسلام لنزوات الأنثى،ولكن من يغامر بنفسه لتلبية تلك النزوات يستحق عقابا أشد، فكر ثعلوب لبرهة وٱنبرى للشرح: عليك أن تنزع عنك أشواكك وتشكل منها رسما لاسمها، فتلك لعمري أعجب قصيدة.
فرح عبسي وقال في نفسه بأن عيون منانة تفدى بأشواكه وجلده حتى.
عاد صاحبنا بنفس المغامرة واستطاع النجاة وفي جحره فعل ما اقترحه ثعلوب، وشكل من شوكه إسم المحبوبة، ولكن الصقيع المريع أودى بحياته وهو في الطريق لبيت منانة وحال لسانه يقول: بعض الأماني قاتلة…
يوسف وحمان – مدينة شيشاوة
اترك تعليقا