“أنا لا أرفض الله؛ ولكنني أرفض هذا العالم ولا أستطيع التأقلم معه” كانت هذه آخر جملة نطق بها يحيى قبل أن يتلقّى صفعة من سي عبد الرحمان. العمُ الوقور بلحيته البيضاء وتربيته الدينية الصوفية التي يتٌكئُ عليها كلما سعى للخوض في نقاش ديني.
-لا تُخاطب الله بهذه الطريقة، لا زلتَ صغيرا، ما تشعر به من آلام في هذا العالم سيزول، لكن لا تُلق اللوم على الدين، ولا تجعل من الله شماعة تعلق عليها أخطاءك”.
لم يكمل سي عبد الرحمان هذه الكلمات إلا و هو ممسك بيد يحيى الذي بدى عليه عدم الإقتناع والرضى بهذه التناقضات، وأخذه إلى سي صادق المشهور بصلاحه وصدقه في البلدة.
برؤيته الطفولية يتساءل يحيى:
– ما معنى صالح ؟ ألست أنت أيضا إنسانا صالحا ؟
الصالح هو الإنسان الذي تلقّى بركة من الله، هكذا أجاب سي عبد الرحمان وهو في قمة انتشائه، وكأن الصلاح يضع الفرد في مرتبة المقدس.
في الطريق استمر العم في الحديث عن سي صادق وتجربته في الصلاح والزهد، قاطعه يحيى:
-لم أسمعك تنطق اسم صادق إلا وكلمة “سي” مقرونة باسمه!
ابتسم العم وكأن الطفل يتعلم في ظل حكمة الشيخ، وقال:
– “سي” هي اختصار لكلمة سيدي. ولا نقول سيدي إلا لإسم محمد تكريما وتشريفا لهذا الإسم لارتباطه بالرسول.
-هل سي صادق وُلد صالحا ؟
اندهش العم من فضول يحيى:
– نعم الصالح يولد صالحا بسبب انتماءه لنسب لرسول، لهذا لا تجوز الإساءة إلى أصوله لارتباطها بالنسب الشريف.
لم يكن سي عبد الرحمان على دراية بأن الصلاح قد يُكتسب أحيانا؛ فهناك من اتخذ العلم طريقة للصلاح، وآخرون بالسلوك الحسن، أو الزهد أو الشهرة بالعدل. بل أحيانا بالغباء الذي يرتبط بسمعة صالحة.
اقترب سي عبد الرحمان من منزل سي صادق فتوقف يحيى ينظر للمنزل وتسائل:
-لماذا لا توجد امرأة صالحة؟
فعلا، لا يوجد ايّ نص ديني يحرم المرأة من أن تكون في الدرجة نفسها من الصلاح بالنسبة للرجل.
لكن سي عبد الرحمان كان يؤمن بأن الصلاح للرجال فقط؛ وهذا ليس غريبا في ظل مجتمع ذكوري جعل من الصالحات يتجولن في الشارع مرتديات لباس رجال.
طرق سي عبد الرحمان الباب بالكثير من الوقار، لتُقابله حفاوة الترحيب من سي صادق؛ لم ينتبه يحيي إلا لرائحة بقايا سيجارة محترقة تفوح من منزل سي صادق.
طلب العم من الصالح أن يعطي بعض بركته ليحيى، لأنه يشك في الأقدار الإلهية؛ كما أن بركة الصالح تبقى متوارثة وتضمن لصاحبها مكانة مرموقة في المجتمع.
أجهشت نبرات يحيى بصوت أجهضته الدهشة:
– هل الصالح يُدخن؟
وكأن يحيى أحيى الدهشة داخله، هل فعلا جميع الصلحاء صالحون؟
ربما شفعت ليحيى طفولته في عدم تلقيه صفعة أخرى؛ أو بالأحرى جريمة أخرى في حق الدهشة، فلم تكن بقايا الدخان إلا تعبير عن معالم الفسق في حياة الصالح، فمنهم من كان يحتسي الخمر الذي كان يحرمه من وقاره. غير أن حنجرة الصالح وبركته تجعله يتذوق الخمر حليبا !
بل تم استثمار الصلاح لمضاجعة النساء لدرجة الزغردة والتهنئة على حسن حظ المرأة التي تقاسمت الفراش مع الصالح طمعا في بركته.
سؤال يحيى جعل سي عبد الرحمان ومعه سي صادق في حالة صمت مطبق.
لم يكسر رهبته إلا صوت المؤذن مناديا للصلاة ليبرر به سلوكه ــ كما برر الصلحاء قبله ــ بقوله:
-إيوا يالا نمشوا للجامع نصلوا العصر…
يوسف الغبوري – مدينة تارودانت
قصة فلسفية سوسيولوجية محظة احسنت يا استاذي عمل يفوق الروعة