“الرواية التي لا تحمل بين غلافيها شمسا وقمرا ونجوما وبحارا وصيفا وربيعا وخريفا وشتاء، كثير عليها أن تحمل اسم رواية”
وتعتبر رواية الخيميائي من تأليف الكاتب البرازيلي “باولو كويلو”، التي نشرت لأول مرة عام 1988 ، قد أشاد بها النقاد وتم تصنيفها كإحدى روائع الأدب العالمي المعاصر.
استلهم الكاتب حبكة القصة من قصة قصيرة للأديب الأرجنتيني “خورخي لويس بورخيس” بعنوان “حكاية حالمين.”
وترجمت الرواية إلى 67 لغة، مما جعلها تدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية لأكثر كتاب مترجم لمؤلف مازال على قيد الحياة، وقد بيع منها 65 مليون نسخة في أكثر من 150 بلدًا، مما جعلها واحدة من أكثر الكتب مبيعًا على مر التاريخ.
استطاع باولو كويلو أن يبدع في خلق قصص خيالية لم يضعها في أيدي الأطفال فقط بل تعدت ذلك، والذليل 65 مليون نسخة التي طُبعت منها، فقد شملت جميع أصناف القراء باختلاف أعمارهم وثقافاتهم..
تدور القصة في “إسبانيا” وفي الريف الأندلسي تحديدا، حيث يقطن راعي غنم صغير يدعى “سانتياجو”، يقرأ الكتب ويسوق قطيع غنمه أينما حل وارتحل، وقد حلم يوما مرتين بكنز مدفون بجانب الأهرامات المصرية، وكان الحلم واضحا ودقيقا جدا، لدرجة أن “سانتياجو” شعر عند استيقاظه أنه يعلم بالضبط موقع الكنز.
كان ذلك الحلم في كنيسة مهجورة بها شجرة جُمّيز يبيت بها رفقة غنمه، وبعد الحلم الذي راوده والراعي الصغير في صراع مع فكره، هل يذهب في رحلة للبحث عن الكنز أم يظل في بلاده، ويستمر في حياته وعمله كراعي؟
ذهب الفتى الى امرأة عجوز في بلدة تُدعى ‘تاريفا’ لتفسير حلمه، ذلته كذلك على أن الكنز موجود بجانب أهرامات مصر، لكنها لم تأخذ منه مقابلا في الحين، بل طلبت عشر الكنز حين يصل إليه.
بعدما خرج الفتى وهو يغوص في تفكيره، أحس بأن هناك شخص يجلس بقربه، قدم نفسه إلى الراعي: “أنا ملك سالم”، وتحدثا لبرهة، قبل أن يخبره الملك بأنه نجح في اكتشاف “أسطورته الذاتية”، وأن على “سانتياجو” أن يتبع “أسطورته ” حتى النهاية، فهذا هو الالتزام الحقيقي، الذي ينبغي على المرء أن يشغل كل حياته فيه، أعطاه الملك الذي يدعى مكي صادق حجرين ‘أوميم وتوريم’ اللذين استخرجهما من صدريته الذهبية.
كانت تلك الإطلالة من رجل عربي مسلم قد حملت تمهيدا للمكان الذي تبوأه دين الإسلام بين غلافي رواية باولو كويلو “الخيميائي”.
فكر “سانتياجو” في حديث مكي صادق، ثم قرر أن يتبع ما يمليه عليه قلبه، وبذلك بدأ رحلة خطيرة للبحث عن الكنز.
بات العامل النفسي طاغيا فيما تحمله الرواية بعدما شرع سانتياغو في الرحلة.
باع قطيع الغنم الذي يملكه وصوّب وجهه نحو افريقيا، وصل إلى طنجة المغرب، تحدث الى رفيق أن يرافقه طول الرحلة، ذهبا الى سوق مزدحم في مدينة طنجة ليشتروا جملين لقطع الصحراء الكبيرة، وفي وسط الزحمة ورائحة التوابل الغريبة والأواني النحاسية والنساء المحجبات، سرقت منه جميع نقوده الذهبية، من طرف مرافقه الجديد والذي كان يرتدي زيا عربيا ويتحدث الاسبانية، ووجد نفسه وحيدا مكتئبا في الشوارع، وفكر أنه كان أحمقا عندما قرر أن يتبع أحلامه.
تأمل المغيب بعمق، ففي مشرقها كان ذو مال وقطيع غنم تعلم منها أكثر مما تعلمه من الكتب، وها هو الان وحيد في بلاد لا يعلم حتى لغتهم.
بعدها استخرج الحجرين “اوميم وتوريم”، ليشعر بنوع من الراحة، على الأقل يمكنه بيعهما وشراء تذكرة الرجوع الى ارياف بلاده.
استطاع سانتياغو أن يتغلب على أحزانه وأن يلتحق بوظيفة عند تاجر كريستال بمدينة سبتة المغرب، في مقابل لقمة عيش تسد رمق جوعه، أو مال يوصله إلى اهرامات مصر بحتا عن اسطورته الذاتية أو قطيع غنم يعيد له الحياة في أرياف بلاده.
ازدادت صورة الإسلام لمعانا عند تاجر الكريستال، فقد أخبره التاجر أن من قيم الإسلام اطعام كل جائع، وهذا انعكاس قيم للثقافة الإسلامية وتطبيقا للشريعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم في هذا الباب: “اعبدوا الرحمن، وأطعموا الطعام، وأفشو السلام، تدخلوا الجنة بسلام.”
وبعد ما يقرب من عام، قضاه “سانتياجو” في عمل ناجح ومزدهر مع التاجر، استطاع أن يوفر الكثير من المال يستطيع أن يفعل به أي شيء قد يرغب فيه، وعندما قرر العودة مرة ثانية إلى بلاه، توقف فجأة وقرر أن يجرب حظه مرة أخرى، ويكمل بحثه عن الكنز المدفون.
بعدها انضم لقافلة كانت في الطريق لعبور الصحراء الخطيرة، وقضى الأيام الطويلة البطيئة في التفكير، وفي الاستماع لصوت قلبه، قد يتأخرُ الفرح وقد تنقبضُ الصدور وتنحبسُ السّعادةُ! لكنَّ الفرجَ حتماً سيأتي بألف طريقة ولون، طالما أننا نؤمن بأن اللّه قدَّر لنا كل شيء لسبب.
فهِم “سانتياجو” أن للعالم روحا، وأنه جزء من هذه الروح، وأنه يجب عليه أن يدرك دوره بشكل جيد.
بعد التحاقه بالقافلة وعند وصولهم إلى إحدى الواحات، قابل “سانتياجو” إحدى الفتيات تُدعى فاطمة، ووقع في غرامها، بعد لقائهم قرب بئر في الواحة، وقابل “سانتياجو” أيضا شخص غامض يعمل “كخيميائي” في الواحة.
( “الخيميائي”: المشتغل بمحاولة تحويل المعادن الخسيسة إلى نفيسة، الحديد إلى فضة، والنحاس إلى ذهب)، ذكره مرأى هذا الرجل بـ ملك سالم “مكي صادق” ولا يدري “سانتياجو” ما السبب.
غادر الفتى الواحة قائلا: سأعود يا فاطمة، أحببتك لأنني رأيت حلما، وقابلت ملكا وبعتُ أواني بلّورية، وعبرت صحراء نشبت حرب بين قبائلها، وجئت إلى مكان قريب من بئر لأستدل على مسكن خيميائي، أحبك لأن الكون تواطأ معي لأصل.
بكت فاطمة وهي تقول: أنا امرأة من الصحراء، لكنني امرأة قبل كل شيء.
ساعد “الخيميائي” الشاب على مواصلة رحلته عبر الصحراء، وطوال الطريق كان يعلمه دروسا هامة عن الحياة.
أصبح “سانتياجو” حكيما على الرغم من عدم معرفته بتلك الحقيقة، تعلم ببراعة كيف يعيش الحياة بأفضل ما يكون رغم قساوة الصحراء، وقرر أن يتابع رحلته وحلمه إلى النهاية، رغم أنه اضطر أن يترك حبه الحقيقي وراءه في الواحة.
وبعد عدة مغامرات وأخطار والعديد من الدروس التي تعلمها “سانتياجو”، وصل الراعي الشاب أخيرا إلى أهرامات مصر. غمره الشعور بالفرح لأنه أخيرا بلغ نهاية الرحلة، وشعر بالامتنان لأن فرصة أتيحت له ، ثم بدأ يحفر في الرمال بحثا عن كنزه، في مكان ذله احساسه أن الكنز موجود في المكان الذي يبكي فيه عند تسلق أحد الكثبان الرملية، وقبل أن يبلغ عمقا كبيرا، فائجته عصابة من اللصوص، وانهالوا عليه ضربا قبل أن يسرقوا كل ما معه من مال. ثم أجبروه على مواصلة الحفر، وبعد وقت طويل، وعندما لم يعثروا على أي كنز، تركوه وانصرفوا بعد أن قال أحد اللصوص ‘لسانتياجو’: سنتركك تعيش أيها الغبي لكنك ستتعلم أنه لا ينبغي علينا أن نصل هذه الدرجة من الغباء، فهنا قد سبق لي أن حلمت بحلم راودني مرتين بكنز موجود بأرياف الاندلس بكنيسة مهجورة يتّخذها الرعاة مأوى لهم، والكنز تحت الشجرة الموجودة بالكنيسة لكنني لست بتلك الدرجة من الغباء للبحث عن حلم راودني.
فكّر سانتياغو لوهلة ثم ضحك بشدة: يا للقدر، الآن عرفت أين يقع الكنز بالضبط.
ترك الراعي مصر، ورجع إلى بلاده، حيث توجه إلى الشجرة التي حلم تحتها لأول مرة برؤية الكنز، بدأ “سانتياجو” يحفر بحماس وترقب شديدين، وطالعته في النهاية خزينة أثرية مليئة بالذهب والجواهر.
فقد كان الكنز موجود بالمكان الذي حلم فيه بالمرة الأولى، ليبيع القطيع وتُسرق منه أمواله ويعمل عند تاجر الكريستال ويعبر الصحراء ويلتقي فاطمة والخميائي.
ذهب سانتياغو إلى العجوز الغجرية ليفي بوعده بعشر الكنز الموعود، ليبدأ رحلته الجديدة مرة أخرى إلى الصحراء، صوب الواحة قائلا بكل حب وفرح: ها أنا ذا يا فاطمة، أنا قادم.
وليد علوش – مدينة بني ملال
اترك تعليقا