لا يمكن للإنسان الذي ينتمي لهذه التجربة إلا أن يشعر بالفخر عندما يشاهد قطارها يتجاوز محطة بعد أخرى بثبات ونجاح، بعدما كانت ولادته عسيرة لم تستطع أن تقدم أي إشارات للمراقب من الخارج، على أنها تجربة تستطيع أن تتطور وتتقدم وتخلق أفق الانتظار لدى المتلقي، لولا إيمان الشباب المؤسس ببعضهم البعض وبعمق التجربة ورمزيتها، منذ أن اختير لها اسم “لاعبين”، في إشارة لما يحمله المفهوم من أبعاد عندما يتم التعاطي معه من زاوية نظر سوسيولوجية وأنثروبولوجية، اللعب ليس فقط كوسيلة للترفيه، بل كظاهرة ثقافية واجتماعية تُساهم في تشكيل الهوية والقيم والتقاليد. هذا الأفق هو الذي يجعل من هذه الدورة عبئا ثقيلا ملقى على عاتق اللجنة التنظيمية، في الوقت الذي يشعر فيه المتعاطف/المحب البعيد عن المطبخ الداخلي بالسعادة والترقب مع اقتراب الموعد، يشعر المنظم بحجم وعبء المسؤولية وثقل التحدي، مع ادراكه لتلاشي إمكانية التراجع أو العودة الى الوراء. هذه الوضعية المتناقضة هي ما تجعل من هذه الدورة، الدورة الرابعة لملتقى لاعبين، لوحة استثنائية تُطهى على نار استيتيقية، تسعى لأن تكون إضافة نوعية إلى التجربة الثقافية والإبداعية.
بالرجوع إلى مفهوم اللعب ودلالته الرمزية التي تعكس مكونات الهوية الثقافية في المجتمع، اختير لهذه النسخة شعار: “المسرح الأمازيغي؛ تعزيز للهوية وتحفيز للإبداع”. ويشكل المسرح، بوصفه فنًّا جامعًا بين الكلمة والحركة والرمز، الحجر الأساس الذي أقيم عليه صرح ملتقى “لاعبين”. ولذلك، فإن التركيز على المسرح الأمازيغي ليس مجرد اختيار فني، بل هو تكريم لجذور الملتقى المرتبطة بمدينة الخميسات، التي تُعدّ رمزًا للهوية الأمازيغية الغنية والمتنوعة. من خلال هذا الاختيار، تسعى اللجنة المنظمة إلى إبراز أهمية المسرح في استعادة وتوثيق الثقافة الأمازيغية، باعتبارها أحد العناصر الأساسية التي تُعبّر عن الهوية الجماعية وتعيد تشكيل الذاكرة الثقافية. كما يحمل الشعار دلالة مزدوجة تجمع بين الحفاظ على الهوية الثقافية الأمازيغية من خلال استحضار التراث المسرحي، وبين تشجيع الإبداع الفني الذي يتجاوز حدود التقليد ليقدّم رؤية معاصرة. فالهوية ليست مجرد ماضٍ جامد، بل هي عملية مستمرة من البناء والتطوير، وهذا ما يسعى الملتقى إلى تحقيقه من خلال تقديم عروض فنية تُعيد صياغة الموروث بطريقة حديثة تُلهم الأجيال القادمة، مثل عرض مسرح الشارع وعروض الدمى الزمورية.
يمثل اختيار مدينة الخميسات كمجال للملتقى احتفاءً برمزيتها كحاضنة للثقافة الأمازيغية ومنبع للإبداع الفني. المدينة، بتراثها وتاريخها، ليست مجرد مكان جغرافي بل فضاء ثقافي يُبرز التنوع والغنى الذي يشكّل الهوية الأمازيغية وتتمظهر فيه مختلف أشكال التعايش ومدى انفتاح الانسان الزموري على الآخر واستعداده للتثاقف المتوازن. وهذا البعد يتجلى في مجموعة أنشطة تتخلل البرنامج سيتم الانفتاح فيها على مبدعين من خارج الإقليم، لهم استعداد لإضافة التوابل إلى هذه الوجبة الزمورية.
في هذه النسخة، سيكون للشعر الأمازيغي حيز مهم أيضا، حيث يُعد الشعر أحد أبرز أدوات التعبير الثقافي التي تحمل بين طياتها روح الهوية وعمق الوجدان الشعبي. ستُخصص أمسية للاحتفاء بالكلمة الشعرية الأمازيغية، لتكون شاهدة على قوة الإبداع المحلي وانفتاحه على الفضاء الوطني مع ادماج للأصوات الشعرية الشابة لمد جسور التواصل بين الاجيال. هذه الرغبة في مد جسور التواصل، والتي تجد لها مكانا مهما بين أهداف الملتقى، تبرز أيضا بشكل واضح في محاولة إحياء الحكاية كفن كان يشكل جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية والفنية المغربية، واخراجها في قالب شبابي تنسجم مع روح العصر.
إلى جانب ذلك، سيُقام معرض للفنون التشكيلية يعكس التعددية البصرية والرمزية التي تحتضنها الهوية الأمازيغية، حيث سيعرض فنانون زموريون أعمالهم التي تُجسد جمال التراث وعمق التأمل الإبداعي. مع الحفاظ على كنه الملتقى المتمثل في تنظيم مجموعة ورشات تكوينية لخلق شباب قادر على أن يحمل مشعل الملتقى نحو آفاق أخرى، وضمان استدامة ثقافية في الإقليم. هذا الهدف يمكن ان يتحقق أيضا من خلال عملية التنقيب عن المبدعين التي تسبق الملتقى بأشهر في مختلف المجالات الثقافية والفنية، أبرزها مسابقة القصة التي وصلت هذه السنة إلى دورتها الثالثة.
وكما جرت العادة، سيكون الملتقى مناسبة للاعتراف وتكريم الأصوات الزمورية التي قدمت خدمات جليلة للجسم الثقافي الزموري، تكريم بعيد عن الاشكال الكلاسيكية المتعارفة التي استوفت أهدافها وتشرئب نحو المستقبل تنشد التطوير كي لا تتلاشى.
في الأخير، نوجه دعوتنا الصادقة لكل عاشق للثقافة والفن، لكل من يرى في الإبداع نبضًا يعكس هويتنا الجماعية وأحلامنا المشتركة، للانضمام إلينا في النسخة الرابعة لملتقى “لاعبين”. هنا، نحتفي بالمسرح الأمازيغي، بالشعر، بالفن التشكيلي، وبالأجيال التي تصوغ الغد بأدوات الماضي. كونوا جزءًا من لوحة تُكتب بروح زمورية وبصمات تُضيء الطريق للإبداع القادم.
ملتقى لاعبين الدورة الرابعة، تحت شعار: “المسرح الامازيغي؛ تعزيز للهوية وتحفيز للابداع”.
24 فبراير 2025
اترك تعليقا