مريم وكريم تكتب: سعادة اللاشيء

8 فبراير 2020
لاتحدثوني عن قساوة الحياة وظروفها وأنتم لم تعيشوا حياة كالتي عشتها طوال سنوات عمري. لو خيرتني أمي بين الخروج إلى العالم والبقاء داخل أحشائها لما ترددت في آختيار البقاء هناك . على الأقل لن أعاني كل ماعانيته وأنا مازلت في عمر الزهور . كان لزاما على والدي ووالدتي الإفتراق بعد عشر سنوات من الحب والهيام . لاأعلم سبب فراقهما بعد آنجابي بالذات ؛لكن ماأعلمه أن حبهما كان كبيرا لدرجة أنه لايستحق أن يهدم يوما ما . كنت أرى في عينا والدي حبا لأمي في أعوامي الأولى . ومنذ أن كنت في عمر الست سنوات تفاقمت مشاكل والدي مما أسفر عن كره الواحد للآخر . بعد كل ذلك الحب حسب الإثنان أن أكبر غلط آقترفاه هو التفكير في الزواج . لكني كنت دائما ماأقول أن هذه الغلطة التي آعتقداها الإثنان لاتساوي شيئا أمام غلطة آنجابي . لأنني كنت في المنتصف لاأنا قادرة على العيش في سعادة تامة ولا في حزن حاد .كنت أشعر بأشياء لاأعرفها أبدا ؛ كنت ضحية بين الإثنين . قرارات أمي تقتلني وتجعلني أحقد على كل أم أنجبت ولم تربي كما يجب . هذا لايعني أنها كانت مقصرة معي في حقي من المال . لكن مافائدة المال إن لم يكن هناك حب ألمسه وأنا أنظر إلى عينيها . لطالما قلت أن أمي أقبح أم وماندمت على قول مثل ذلك. لقد عانيت بما فيه الكفاية لأحقد على أشياء لطالما حاولت أن لا أحقد عليها لكن محاولاتي باتت بالفشل . لم يكن أبي أفضل من أمي بشيء . لم يكلف نفسه يوما في الإطمئنان على علاماتي في الفصل ولم يزر يوما المدرسة التي أرتادها ليطمئن علي في حجرة الدرس كان أبا قاس هدفه الوحيد إغاظة أمي وجعلها تحس بالذنب . ذنب أنها قبلت الطلاق من رجل تتمناه آلاف النساء . صدقا كان أبي مهملا حتى أنني لمست الإهمال في علاقته مع أمي أيام زواجهما . كان يتقن الإهتمام في كل شيء ماعدا إهتمام العائلة والآهتمام بالإبنة والزوجة .أي أب هذا الذي يكمل حياته دون الإلتفاث إلى آبنته . أي أب هذا الذي يهرب من مسؤولياته آتجاهي بعدما كنت في مرحلة حساسة أحتاجت فيها إليه  أكثر من أي وقت مضى . ماحاجتي إليهما وهما لم يعملا على تربيتي وجعلي فتاة يفتخر بها على الدوام . ماحاجتي لكل هذه الأموال . يقال أن الوالدين يصبران للتعب والإرهاق مقابل ضمان مستقبل أبناءهما . أي مستقبل هذا الذي تضمنوه لي وأنا أرى أنكما من تبدعون في جعل مستقبلي دون وجود .سيتموني باسم “حياة” وأنا لست كذلك أنا ميتة على قيد الحياة . عانيت بسبب طلاقهما آكتئابا حادا جعلني أتعس فتاة في الدنيا وماتمنيت أن أكون . جعلا مني بقرارهما تائهة لاأعرف الوجهة الصحيحة من الخاطئة .ألم يعلما أن الطلاق أبغض الحلال إلى الله . لم يهتما بي وعملا على آفسادي حياتي وأنا مازلت حتى لم أتمم أيام طفولتي . كنت صغيرة لكن كنت أفهم كل مايقال . وكل مايحكى أمام عيناي . على ذكر كل هذا كيف لاأفهم وهما لم يمنحا لي قيمة يوما ما . لم يتجنبا الحديث عن أمور لايجب أن يتحدثا عنها أمامي . كان غضب أحدهما يجعله يبوح بكل شيء دون رد الآعتبار إلي أو التفكير في أنني مازلت صغيرة وأتأثر بكل مايقال .
كبرت عامين على آفتراق والداي . أياما أقضيها مع والدتي . كانت تقوم بتصرفات نفسي لاأقوم بها أنا التي أصبحت مراهقة .تغضب من أبسط الأمور لايعجبها شيء بالإضافة إلى كل ذلك تقضي يومها كاملا في مشاهدة برامج الموضة والجمال .لأنها حلمت أن تصبح عارضة أزياء في صغرها لكن هذا ماآعترض عليه جدي بعدما أقنعها أن لاتفعل وإلا سيسخط عليها إلى يوم الدين . وكعادة أمي آستجابت لكن هذا لم يمنعها من الإستمرار في حب تحقيق الحلم خاصة بعد آستقلالها من أي زوج يمنع عليها فعل كل ماتريد ..أياما أخرى كنت أقضيها مع والدي . كان حدسي يحسسني أن والدي يفكر في الزواج وأنه يملك آمرأة أخرى في حياته لأنني عادة عندما أذهب لزيارته أجد على الطاولة صحنين ربما كان يعزم عليها لتناول وجبة العشاء . حتى أنني لاحظت أنه طوال الوقت وهو يمسك بهاتفه ويبتسم إليه . كنت أعلم أنه لايفعل لشريكه في العمل بل لأخرى آستوطنت قلبه بعد أمي أو مجرد نزوة عابرة ستمر آختارها لنسيان أمي بالرغم من أنني أعلم أنه لم يعد يحبها .مع كل ماكنت أحس به من تصرفات يفتعلها والدي لكنني حدتث كل ذلك ليرقد لم أفتح الموضوع يوما مع أمي لأنني كنت أعلم أنني إن فكرت في البوح لها بالأمر فستبدأ ككل المرات في الحديث عن أمور قبيحة على أبي . ستنبش في الماضي وتطلعني على أشياء لاأريد سماعها فيكفيني ماسمعته إلى الآن . لذلك آخترت الصمت حتى يتحقق ماكأن حدسي يخبرني به. يومها لن يترك لها زواجه من أخرى فرصة للحديث عنه ..ففي النهاية حدث طلاق بين الإثنين ومهما كانت قراراتهم لايحق لأي منهما أن يتدخلا في خصوصيات الآخر .
 مرت أيام أخرى ترجمت إلى شهور . علمت أن ماكنت أسقطه على والدي كان صحيحا لأنه لم يتردد يومها في إعطائي الدعوة للحضور لزفافه من شابة تشتغل لديه في مقر عمله . وبالفعل أدركت أنني لم أخطئ يومها مع أنني شعرت في بادئ الأمر بتأنيب الضمير وأنا أخلق آتهامات لوالدي بالرغم من ضعف الأدلة التي كنت أتوفر عليها . حدث الزواج بين الإثنين . أقام والدي وزوجته حفلا حضر إليه الجميع بآستثناء أمي التي تألمت من الأمر دون أن تظهر لي ذلك . كنت أعلم أنه سيغضبها زواج طليقها من أخرى خاصة بعدما علمت أن الشابة مازالت في مقتبل العمر بالإضافة إلى جمالها الفتان زد عليها أنها ستنجب لأبي أولادا سيشاركونني في أموال والدي وهذا مالم تستطع أمي آستوعابه بشكل من الأشكال.
أرغمني والدي للحضور إلى ثان زفاف له مع المدعوة “ميساء” بدا الإثنين أجمل ثنائي . أبي يبتسم لكل من وجد في القاعة من أصدقائه وموظفوه في العمل. أما العروس فكانت عيناها متجهة إلى المائدة حيث يجتمع أفراد أسرتها وكأنها تهنئهم على الإنتصار وعلى آصطياد رجل يملك من الثروة مايغنيهم عن العمل .
كأنها كانت تبتسم لأنها حققت الحلم في الظفر بلقب  زوجة مدير الشركة التي كانت تشتغل بها .كانت سعيدة إلى حد كبير في يوم زفافهما . أحسستها أرادت أن تكسب ودي لنكون صديقتين لكن لم أفسح لها المجال لذلك . فقد تظاهرت بأنني منغلقة عن الجميع . هنأت والدي الذي يظن نفسه فعل آنجازا بمجرد أن تزوج من شابة تصغره بأعوام. ستمكنه هذه الأخيرة من العودة لعيش وتكرار ماكان قد عاشه مع أمي في مراحل زواجهما . أتعجب كيف يمكن لرجل أن يعيد الزواج مرة أخرى بنفس التفاصيل؛ نفس طقوس الزواج دون ملل ؛ ودون اختلاف . الاختلاف الوحيد هو تغير العروس من السيدة “نعمة” إلى الشابة “ميساء”. مللت حينها من التظاهر بالسعادة علما أن أبي أخبرني قبل بدء حفل الزفاف أن لا أنكد عليه . وأن أعامل زوجته الجديدة بلطف دون آفتعال مشاكل كما كانت تفعل أمي . وذلك لأجل تفادي أي شيء يثير غضبها أو ينكد فرحتها. مرات ساعات على ذلك الحفل الذي لم يرد أن ينتهي قط مافائدة كل هذا الذي قام به والدي . أضواء وزينة تجعل كل من حضر إلى الحفل يمدح فيه على طول العام . أظن أن السيدة “ميساء “هي التي آختارت كل ذلك على ذوقها لأنني أعلم أن والدي لايفقه في كل تلك الأشياء . مللت من أجواء ملئت بالرقص على هذه النغمة وتلك . شعرت أنني لست في عرس ولد لدي السعادة بقدر مازاد من بؤسي . حملت حقيبتي فغادرت في آتجاه المنزل دون آخبار والدي .
مر كل شيء . ومرت معه أياما كثيرة ، رجلي لم تعد تعتب باب غرفتي إلا في أوقات الشعور بالجوع أو الرغبة في الذهاب إلى دورة المياه . أعيش مع والدتي التي مازال إلى يومنا هذا حديثها كله متجه إلى طليقها والسيدة ميساء . تعيب كلاهما . إن قضت من ذكر مساوئ أبي تبدأ في ذكر مساوئ زوجته التي تقول دائما على أنها فتنت والدي بمؤهلاتها في آمتلاك كل مايغري جميع الرجال . وبأن الله لن يبارك لهما هذا الزواج لأنها أرادت من أبي المال فقط.. وهكذا نفس الشريط يتردد على مسامعي وتعيده دوما صباح مساء . أتعجب لها وهي تحكي عنهما بالسوء . وأتساءل عن السبب . لطالما لم تعد تحبه لماذا تتحدث عنه بين الفينة والأخرى . لماذا لاتؤمن لنفسها أيضا الإستقرار وتتزوج بدورها لن أتفاجأ إن فعلت . لكن صدقا تمنيت لو تكتفي عن ذكرهما بالسوء ؛ففي نهاية المطاف أنا التي أضطر لسماع آحاديثها التي أنزعج حيلها دوما..
تزوج والدي وماعدت زرته بعد ذلك اليوم . عرفت من حسابه على الأنترنيت أنه ذهب لقضاء مابعد فترة الزواج أو مايطلق عليه بشهر العسل . أبي يعيش أياما حلوة . وأمي تستشيط غضبا أمامي عندما رأت صورهما معا عرفت أنذاك أنها مازالت تراقبه بالرغم من آفتراقهما . مازالت تعلق على سخافة ذوقه في اللباس . حتى “ميساء” لم تتركها هي الأخرى آنتقذت فستانها الذي ترتديه وهي تتنزه في أحد المجمعات التجارية بمدينة لندن . علمت أن أمي لم تقضي أياما كتلك مع أبي بعد زواجهما ؛أظنها تتساءل عن الفرق بينها وبين من نكحها والدي مؤخرا . أمي تستشيط غضبا منه لأنه لم يقم بزفاف فخم كزفافه مع ميساء ولم يصحبها إلى لندن ليستمتعا بأيام زواجهما الأولى … مرت أيام بدأت فيه أمي بنسيان الأمر لم تعد تفتح سيرة الإثنين ؛آقتنعت بعد ذلك أنه لامجال للحديث عليهما بالسوء لأن ذلك لاينفعها بشيء . سوى أنها تزداد عصبية وتذمرا . أصبحت تهتم لأمور عملها فقط لاغير . لكنها لم تتخلى عن مشاهدة برامجها الأزيائية وحبها للموضة والماكياج ؛ أخبرتني ذات مساء ونحن على مائدة الطعام أن مدير عملها سينقل شركته إلى بلد آخر وسيأخذ جميع الموظفين معه دون آستثناء . وإن حدث وأن رفض أحد فسيبقى دون عمل . أجبتها بعد سمعت ذلك :إذن ماالحل ؟ فكرت في بادئ الأمر أنها ستخبرني بأن أذهب للعيش رفقة والدي وزوجته وهذا الذي كنت سأرفضه مهما كلفني الأمر . كنت أعلم أنها لن تأخذني معها بحجة دراستي . فتنصتت لكلامها لمعرفة القرار الذي ستتخده لأجلي. أخبرتني أنها سترسلني إلى جدي وجدتي للعيش معهما ريثما تعود . كنت أعلم أن رحلتها طويلة لكن كان منزل جدي أفضل بكثير من العيش مع والدي لذلك رحبت بالفكرة بقلب فرح . كنت أحب جدي وجدتي بالرغم من أنني لم أزرهما إلا قليلا لأنهما كانا يبعدان عن مدينتنا قرابة يومين كاملين من الطريق … كنت أعلم أنني إن آنتقلت للعيش معهما سيتغير الكثير في حياتي وربما تصير أفضل بكثير مما سبق .جهزت حقائبي آستعدادا للسفر بعدما آنتهت دراستي .أخبرت والدي بالأمر ولم يكن له أي آعتراض بعدما تمنى لي أن أجد راحتي هناك .بيد أنني تمنيته لو قام بواجبه كأب وطلب مني أن أبقى معه لكن ظنوني خابت كالمعتاد. بالرغم من أنني كنت سأرفض تفاديا للعيش مع “ميساء ” لكنه لم يطلب مني ذلك أساسا . ودعته مخبرا إياي أنه سيضع كل شهر قدرا من المال في حسابي حتى لاأحتاج لشيء ولاأكون مصدر ثقل على جدي هو الآخر .بعد ذلك آنصرفت عنه . بدا لي سعيدا في حياته حتى أنني عرفت أن زوجته حامل في أسابيعها الأولى . هنأته فانصرفت… كنت أملك صديقات وذكريات كثيرة في مدينتي إلا أنني آخترت أن أغير كل شيء لأرى إن كانت حياتي ستستقيم . حزنت لشيء واحد أنني لم أودع العم “سلطان” بواب العمارة التي نسكن بها المسكين لطيف وأحبه كثيرا . لكنني تركت له سلامي مع الجارة وودعتها أيضا . ذهبت معي أمي إلى المطار حتى ركبت ودعتني وهي تضمني إلى صدرها لكنني لم أحس بشيء . تظاهرت بأنها ستشتاق لي لكنني لم أكن أعلم أأصدقها أم أنها ككل مرة آختلطت عليها الأحاسيس فوجدت أن بكائها من وراء الإشتياق .بدوري عانقتها وتمنيت لها أن تبقى بصحة جيدة على الدوام . أخبرتني أن لاأغلق هاتفي أبدا لكي تتواصل معي على طول الرحلة وحتى تطمئن على وصولي بسلام مضيفة أنها أخبرت جدي أن يأتي ليستقبلني حينما أصل . أومئت رأسي بالإيجاب .. فصعدت الطائرة وأنا أراقبها من الزجاج ودموعي تغطي مقلتا عيناي . تمنيت لو جعلت مني فخورة بها . كنت أراها طيبة لكنني لم ألمس في عينيها سوى التيه والضياع . كانت تبدو لي غريبة بالرغم من أنني وددت لو تمكنت من فهمها ولو لمرة واحدة وكنا ككل أم وآبنتها  ..غادرت مدينتي وأنا عازمة على بدء حياة جديدة بعيدة عن والداي اللذان لم يعطيان أي آهتمام . فرحت جدتي كثيرا لقدومي لأجل العيش معهما . وجدتها قد حضرت الكثير من الأطباق اللذيذة حظيت بآستقبال حار جعلني أتمنى لو آتخدت قرار العيش معهما منذ زمان . حكيت لهما عن ظروف عمل أمي وبأنني لاأعلم بالذات كم سأبقى معهما لكنني أخبرتهما أن المدة ربما تكون طويلة قليلا . قهقهنا على مائدة العشاء حينها من نكتة حكاها لنا جدي . ولأول مرة أشعر أنني بالفعل سعيدة وسط عائلتي . أصبحت أساعد جدتي في المطبخ بالرغم من أنني لم أحب يوما القيام بذلك . حتى أنني تشجعت يومها على مساعدتها لإحضار الطعام . تملك جدتي حديقة لطالما أحسست بالسعادة وأنا أطل عليها عند آستيقاظي كل صباح . أشم رائحة الأزهار المزروعة بها . وأسمع لأصوات زقزقة العصافير كثيرا ماأعطتني أصواتهم الأمل كون الحياة جميلة . حتى أن جدتي لاتمانع في آخراج المائدة إلى الحديقة لأنها كانت تعلم كمية حبي لذلك. لنفطر هناك في جو يسوده الأمان والدفء . مرات كان جدي يحكي لنا عن الطرائف التي تحدث بالمقهى هناك حيث يجتمع هو وأصحابه ممن لم تعد رجله تعتب باب سوق الشغل . يحكي كثيرا عن صديقه السيد “عمران” ومايرتكبه من حماقات . لكن جدتي لم تكن تحبه وكانت دائما تحذر جدي للإبتعاد عنه لأنه كان يرتاد الحانات ويسكر كل يوم.طرائف كثيرة كان جدي يحكيها لنا وكنت أشعرها حيلها بالسعادة المفرطة …كبرت شهورا وأعواما آنتظرت عودة أمي لكنها لم تعد بالرغم من أنني لم أتمنى يوما أن أفترق عن حياتي الجديدة . لكنني مع ذلك آشتقتها . آشتقت لكل شيء بها حتى أحاديثها الفارغة برامجها التافهة . كنت أشاهدهما مرات لأتذكر أيامنا التي قضيناها بين جدران ذلك المنزل الذي ولد لدي الكثير من الأحاسيس الغريبة .كانت تهاتفني مرات وتطمئن على حالي وأحوال جدي وجدتي . وتقطع الإتصال لتغيب شهرا وتعاود الكرة مرة أخرى . كنت أعلم أنها أحست بالراحة حين مغادرتها أرض الوطن . لم تتقبل الهزيمة بسرعة، لم تتقبل أن ترى فشلها أمام عيناها ، فشل في آرضاء الزوج وفشل في الحفاظ على الأسرة لذلك آختارت الهروب . أما أبي فقد أنجب وأصبح سعيدا بدوره . كان يبدو لي ذلك من صوره التي تشاركهن زوجته على الأنترنيت أما هو فلم يكن يشارك أي شيء ماعدا أنه يكتفي بالتعليق على تلك الصور بكلمة يغازل فيها زوجته وتبادله بالمثل . حتى أنها بدت لي كأنها حاملة بمولود آخر . لست متأكدة بالضبط لكني لاحظت أن بطنها آنتفخ في الآونة الأخيرة . بالرغم من أن أخي “زين” مازال صغيرا . أتمنى أن يحبه والدي كما لم يحبني أبدا . أن يعطيه أضعاف الحب والإهتمام الذي أحرمه علي . وينعما بالكثير من اللحظات الجميلة في حياتهن . أنا أتابع دراستي بكل شغف هنا الآن ؛ أحاول أن أدع حياتي جميلة. ومازلت أتأقلم معها ؛أحبها يوما بعد يوم أحببت كل شيء هنا . حتى قطنا الذي تطارده كل يوم جدتي لأنه يدخل إلى المطبخ دائما وهذا مالاتحبه . أقهقه عليها دائما عندما أراها تفعل ذلك . يوما بعد يوم يزداد حبي للحديقة ولأزهارها . يزداد حبي لأطفال الحي . وللتفاصيل الصغيرة التي عشتها هنا . يوما بعد يوم أخاف أن تسرق مني هذه الحياة .. أخاف أن أحرم من عيش السعادة بعدما حرمت منها لأعواام .

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :