وسط ظلام موحش، وانعدام كل الأصوات، لو لا ساعة يدي ذات الدقات المتباطئة لحسبت أنني أغوص في العدم. جلسنا أنا و صديقتي فرح وسط محطة للقطار ننتظره بشغف الصغار، لكن فرحتنا بالرحلة قضت على كل خوف ، صديقتي فرح كانت تغط في نوم عميق أما أنا فعجزت عن النوم بل لم أفكر فيه حتى، بسبب شوقي إلى وصول القطار ولهفتي إلى الوصول إلى المكان المنشود: قرية صغيرة فوق قمم الجبال يقطنها أحد أقارب صديقتي.
كنا قد اتفقنا أن ننطلق ليلا لكي نصل قي صباح الغد، بعد طول انتظار،ترامى إلى مسامعي صوت مزعج قادم نوحنا… أجل إنها سافرة القطار ! كلما اقترب تزايد الدخان الكثيف المنبعث منه في السماء، أيقظت فرح بسرعة حتى أفزعتها، حملنا أغراضنا واتجهنا بسرعة نحو القاطرة الثالثة حيث ركبنا دون أي تفكير…أو تريث.
انطلق القطار بساعة من المحطة، فعادت فرح لتكمل نومها إلى حين وصولنا، أما أنا فكل ما كان يشغلني هو ما سأفعله هناك… كنت فرحة… متشوقة … ومتلهفة لرؤية تلك المناظر الجبلية الخلابة، حتى تلهمني قليلا. كان القطار سريعا، وتيارات الهواء الباردة تدخل من النافدة مداعبة وجهي، حينها شعرت بالغرابة، كما لو أنني لم أعد أنا.
بعدها سرحت في تفكير عميق حول نفسي وما ينتابني، حتى قاطعتني سافرة القطار معلنة عن وصولنا كانت فرح قد استيقظت، قمنا بحمل الأغراض ودفعنا ثمن التذكرة متأخرين وانصرفنا، حتى تفاجأت بصراخ فرح في غفلة مني – “خالتي”نحن هنا نحن هنا”
عندها رأيت سيدة ترتدي عباءة سوداء متجهة نوحنا، رحبت بنا بحرارة وساعدتنا في حمل الأغراض متجهين إلى بيتها في أعالي الجبال خلف المحطة، فسرنا على الأقدام…
في البداية كنت متشوقة للسير والتمتع بالمناظر، لكن عقبات ومسافة الطريق حالت دون ذالك، استطعنا بصعوبة صعود الجبل ،اااه ! لو رأيتم ذلك المشهد من القمة -رائحة الزهور الفواحة تتطاير معطرة المكان -ومنظر السهول الخضراء. منتشرة في كل الأركان -وزقزقة العصافير المريحة تطرب المسامع .
وصلنا إلى منزل السيدة “كلثوم” خالة صديقتي فرح وزوجها السيد “صالح”، كان منزلا بسيطا جدا بني من طين، كان يبدو قديما ومساحته متوسطة، فور دخولنا تصادمنا مع رائحة الشاي، قالت السيدة :
- مرحبا بكما تفضلا بالجلوس
بعد دقائق عادت السيدة حاملة الشاي وأطباق أخرى من خبز طري وحليب، كانت وجبة لذيذة وقد أكلت كثيرا فأنا لم أبلع شيئا طوال الرحلة ،بعدها غفوت دون إدراك بسبب التعب الذي نال حصته مني، استيقظت وأظن أنه كان وقت العصر، لم أجد فرح بقربي، فخرجت من المنزل بحثا عنها ،جلت قرب أنحاء المنزل حتى لمحتها قرب قطيع من الغنم رفقة السيدة كلثوم، اتجهت مسرعة نحوهما…
قضينا وقتا ممتعا نرعى القطيع ونلهو وسط الحقول حتى حل الليل فعدنا. إن هذا المكان ساحر أجل الريف بكل ما فيه من مناظر وجمال وخيرات وأناس طيبون وبسطاء… وبالرغم من مشقة الطريق كانت هذه هي أفضل رحلة قمت بها في حياتي رغم بساطتها: “رحلة إلى الريف”.
مريم عفيف – مولاي بوعزة
اترك تعليقا