تلجأ طائفة كبيرة من البشر إلى النظر لسائر أمور حياتهم من منطلق الحكمة والمنطق السليم بغض النظر عن الأهواء والمشاعر الخاصة ، ولكن لمجرد التفكير فى الأمر ستجد أن تلك المشاعر مثلها مثل قوانين الطبيعة التى نتعلمها ، فإذا تلاقت قوتان ستفوز دائماً القوة صاحبة الكم الأكبر ، هكذا هو الحال بالنسبة لتلك المشاعر ،تتداخل جميعها في آن واحد وتظهر تلك التى تطغى أو التى نحبذ أن تطغى ، وهو ما يمكن ان نطلق عليه “مؤثر خارجى” قادر على تغيير موازين المعادلة ، ولكن فقط يستوقفنى سؤال واحد ربما هو سبب استهلالى لذلك القلم وسردى تلك الكلمات، ماذا إذا استشعر المرء النهاية ووقف على حافة الهاوية ، ما الذي سيطغى حينذاك ، شعور الندم على ما فات من أخطاء تُركت دون تصويب ، أم الندم على ما خُطط له وتُرك دون إنجاز ؟؟ لا هذا عصفور في اليد ولا ذاك عشرة على الشجرة ، ولكن على المستوى الشخصى كرجل اعتاد دائما أن يتغنّى بمقولة (ربما الأفضل لم يأت بعد) أظن أننى سأكون أكثر حزناً على ألا أنال تلك الرقصة الاخيرة التى طالما حلمت بها.
ربما قد يكون الحُلم الأكثر غرابة على الاطلاق بمَ أنه يصنف بمثابة (الأمنية الأخيرة) ، ولكنني دائماً ما تمنيت أن أنال رقصة أخيرة مع تلك التى طالما ذكرها قلمى وفاضت بها أوراقي ، لن أندم على أن تلك المشاعر تجاهها ظلت حبيسة الأوراق كل تلك المدة حتى حانت ساعتنا ، ولكننى سأكون شديد الندم إذ لم احظى ببعض اللحظات معها حتى وإن كان الكون ينهار من حولنا ، ستتساقط أوراق الأشجار إيذاناً بإنتهاء عصر الانسان على سطح هذا الكوكب ، ستتهاوى المبانى الشاهقة لتتساوى بسطح الأرض فى لمحٍ من البصر ، ستتطاير العربات باهظة الثمن كأنها قطع ملابس بالية ، ستتعالى الصرخات ، وسينال اليأس والخوف من القلوب ما ينال ، وبينما الجميع مختبئ أو يسعى إلى الاختباء من ذلك المصير المحتوم، سأكون أنا على جانب آخر من الكون ، أرتدى أفضل ما لدى من ثياب ، وأضع أفضل عطورى على الاطلاق ، سأحرص على ان أكون فى ابهى صورة فى تلك الليلة ، سأحرص كل الحرص على أن أكون هذا الرجل الذي نال شرف أن يرقص معكِ على أنقاض العالم ، الذي نال شرف أن ينال أفضل اللحظات الأخيرة على الإطلاق من بين كل اللحظات التى يمكن أن ينالها أحدهم.
ستكون لحظة اللقاء بمثابة عودة الروح إلى الجسد بالنسبة لى، لا اعلم هل سأنال من الوقت الكافي لأخبرها كل تلك القصص التى قضيت معظم أوقاتى أنظمها من أجلها ، هل سأنال من الوقت الكافى لأخبرها عن عجزى حتى بعد ملايين الكلمات وآلاف السطور ومئات الكتب التى لم تتحدث عن سواها ، وظللت رغم كل هذا عاجزاً عن أن أنطق بكلمة تدل على ما اكنه من مشاعر تجاهها ، حتى أكون صريحاً اليوم فأنا من هؤلاء الحمقي الذين يؤمنون بمقولة أسطورية تخبرنا عن قيمة كلمة ” أحبك” وعن أنها خُلقت ليقولها أحدهم لشخص واحد ولا يستحقها أحد غيره ، وعما تحتويه بواطن تلك الكلمة ، من الوعد بالبقاء ، والقسم بالوفاء ، وأن تقر بأنك ستكون دائما هنا فى الحاجة أو دونها ، أستطيع القول بأننى أعرف قيمة وأهمية تلك الكلمة ، ولكن حتى رغم ذلك هل ستكون كافية لتصف كل هذه المشاعر التى احتفظ بها فى هذه الدقائق المعدودة ، ربما لا ، بل أغلب الظن لا ، فى كل الاحوال سأبدأ بالحديث ، سأدع فمى يتحدث ، وعينى لتترجم ، انا فى أشد الحاجة لتضافر كل حواسي من اجلك يا سيدتى تلك الليلة.
أتدرى ماذا ، سأخبرها أيضاً عن تلك الليالى التى كنت أسعى أن أُخرجها من تفكيري بها ، دائما ما كانت تأتينى تلك الهواجس التى تخبرنى أن الضعف سيعرف طريقه نحوى يوماً ما إذا لم أتوقف عن التفكير بها والبقاء مستيقظاً كل تلك الليالى على أملٍ زائف ، كثيراً ما أقتنعت بتلك الأصوات التى كانت تتردد بداخل عقلي ، فأقرر فوراً إتخاذ موقف مما يحدث ، سأنساها على الفور ، ربما سأتجه إلى الرسم لأتوقف عن التفكير بها ولكن ملامح وجهها تكون دائماً مصير كل هذه اللوحات ، ربما سأتجه للكتابة إذاً ، فأنا بارع بها ، وما إن انتهى حتى أجد أن الموضوع برمته يتحدث عنها ، ربما إذاً سأستمع لأحد الاغانى المفضلة ، ربما ينشغل عقلى بها بعيداً عن التفكير فى أى شئ آخر ، وفجأة تصبح كل كلمات الاغانى وكأنها كُتبت لتصفها دوناً عن سواها ، يجب الإقرار بأن بعض المعارك لا يجب أن نخوضها على الاطلاق ، فبعض الحروب نتيجتها معلومة مسبقاً ، وأما فيما بيننا أظن أنكِ ستنتصرين دائماً ، لذلك بعد كل تلك المحاولات البائسة ، أتقبل حقيقة الأمر ، فأمسك صورتها التى احتفظ بها وترتسم ابتسامة العاشق على وجهى، مثل الطفل الصغير الذي نال أخيراً دُميته المفضلة ، أخيراً أدركت أن كل لحظة قضيتها فى التفكير بها قد خلقت كل لحظات السعادة التى أتذكرها من حياتى المنصرمة .
والآن مع الفقرة الأهم والأخيرة من سهرتنا الليلة سيداتى سادتى ،تلك الرقصة الأخيرة ، اعلم أننى كنت كثير المطالب على مدار اليوم ، ولكن أخيراً أتمنى أن تكون تلك الرقصة فى ليلة قمرية فى أحد ليالى الشتاء الممطرة ، بينما الجميع يُسرع نحو الإختباء ، سنتجه نحن إلى منتصف الأضواء ، سنتراقص على وقع نغمات تحطم كل شئ من حولنا فلم نعد نبالى بعد بأي شئ، سنتراقص وكأن لا أحد يشاهد ، سنقول كل كلمات الحب وكأننا لم نُجرح على الاطلاق ، سنغنى وكأن لا احد يستمع لنا ، سنعيش ابداً وكأنها ليست الليلة الاخيرة لنا هنا ، لو أن هناك متسع من الوقت لأخبرك ببعض الأشعار سأخبرك ، لو أن هناك متسع من الوقت سأطلب منكِ أن تتمنى أمنية وسأسعى جاهداً على تنفيذها ، لو أن لى أن أتمنى أنا الآخر أمنية واحدة وأثق على أنها ستتحقق أتمنى أن أحظى بالمزيد من الوقت معكِ ، كم هو من شعور جميل أن تحظى بالحياة قبل الموت، صدقنى هذا الشعور لم يختبره الكثير.
محمود محمد فهمى – مصر
اترك تعليقا